كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 5)

الْكَنِيسَةِ وَلَا نَقْرَأُ التَّوْرَاةَ إِلَّا عَنْ نَظَرٍ وَلَا نُصَلِّي إِلَّا فِي الْكَنِيسَةِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَقَالَ نَوْفٌ الَبِكَالِيُّ: أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: يَا رَبِّ جَعَلْتَ وِفَادَتِي لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ
، قَالَ نَوْفٌ فَاحْمَدُوا اللَّهَ الَّذِي جَعَلَ وِفَادَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَكُمْ وَمَعْنَى يَتَّقُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَفِرْقَةٌ: الشِّرْكَ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْمَعَاصِيَ فَمَنْ قَالَ الشِّرْكَ لَا غَيْرُ خَرَجَ إِلَى قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مِنَ الْآيَةِ شَرْطُ الْأَعْمَالِ بِقَوْلِهِ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ، وَمَنْ قَالَ: الْمَعَاصِيَ وَلَا بُدَّ خَرَجَ إِلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالصَّوَابُ أَنْ تَكُونَ اللَّفْظَةُ عَامَّةً وَلَكِنْ لَا نَقُولُ لَا بدّ اتِّقَاءِ الْمَعَاصِي بَلْ نَقُولُ مَوَاقِعُ الْمَعَاصِي فِي الْمَشِيئَةِ وَمَعْنَى يَتَّقُونَ يَجْعَلُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُتَّقَى حِجَابًا وَوِقَايَةً، فَذَكَرَ تَعَالَى الرُّتْبَةَ الْعَالِيَةَ لِيَتَسَابَقَ السَّامِعُونَ إِلَيْهَا انْتَهَى.
وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ الظَّاهِرُ أَنَّهَا زَكَاةُ الْمَالِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْهُ: وَيُؤْتُونَ الْأَعْمَالَ الَّتِي يُزَكُّونَ بِهَا أَنْفُسَهُمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ: تَزْكِيَةُ الْأَعْمَالِ بِالْإِخْلَاصِ انْتَهَى، وَلَمَّا كَانَتِ التَّكَالِيفُ تَرْجِعُ إِلَى قِسْمَيْنِ تُرُوكٌ وَأَفْعَالٌ وَالْأَفْعَالُ قِسْمَانِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْمَالِ وَرَاجِعَةٌ إِلَى نَفْسِ الْإِنْسَانِ وَهَذَانِ قِسْمَانِ عِلْمٌ وَعَمَلٌ فَالْعِلْمُ الْمَعْرِفَةُ وَالْعَمَلُ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ فَأَشَارَ بِالِاتِّقَاءِ إِلَى التُّرُوكِ وَبِالْفِعْلِ الرَّاجِحِ إِلَى الْمَالِ بِالزَّكَاةِ وَأَشَارَ إِلَى مَا بَقِيَ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ وَهَذِهِ شَبِيهَةٌ بِقَوْلِهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ «1» الْآيَةَ وَفَهِمَ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ قَوْلِهِ الَّذِينَ يَتَّقُونَ إِلَى آخِرِ الْأَوْصَافِ إِنَّ الْمُتَّصِفِينَ بِذَلِكَ هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّغَايُرِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَكُونَ قَوْلُهُ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الرَّسُولِ وَيَكُونَ قَوْلُهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ وَفَسَّرَ الْآيَاتِ هُنَا بِأَنَّهَا الْقُرْآنُ وَهُوَ الكتاب المعجز.
__________
(1) سورة البقرة: 2/ 3.

الصفحة 192