كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 5)

يؤول إِلَيْهِ مِنْ تَبْيِينِ صِدْقِهِ وَظُهُورِ صِحَّتِهِ مَا نَطَقَ بِهِ مِنَ الْوَعْدِ الْوَعِيدِ وَالتَّأْوِيلُ مَادَّتُهُ هَمْزَةٌ وَوَاوٌ ولام من آل يؤول، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَوَّلْتُ الشَّيْءَ رَدَدْتُهُ إِلَى أَوَّلِهِ فَاللَّفْظَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْأَوَّلِ انْتَهَى وَهُوَ خَطَأٌ لِاخْتِلَافِ الْمَادَّتَيْنِ.
يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَيْ يَظْهَرُ عَاقِبَةُ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَسْأَلُ تَارِكُو أَتْبَاعِ الرَّسُولِ هَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ سُؤَالًا عَنْ وَجْهِ الْخَلَاصِ فِي وَقْتِ أَنْ لَا خَلَاصَ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَلَمْ نُصَدِّقْهُمْ أَوْ وَلَمْ نَتَّبِعْهُمْ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ وَالرُّسُلُ هُنَا الْأَنْبِيَاءُ أَخْبَرُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ الَّذِي جَاءَتْهُمْ بِهِ رُسُلُهُمْ هُوَ الْحَقُّ. وَقِيلَ: مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ مَا أَنْذَرُوا بِهِ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَوْ نُرَدُّ بِرَفْعِ الدَّالِ فَنَعْمَلَ بِنَصْبِ اللَّامِ عَطْفُ جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ عَلَى جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ وَتَقَدَّمَهُمَا اسْتِفْهَامٌ فَانْتَصَبَ الْجَوَابَانِ أَيْ هَلْ شُفَعَاءُ لَنَا فَيَشْفَعُوا لَنَا فِي الْخَلَاصِ مِنَ الْعَذَابِ أَوْ هَلْ نُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا فَنَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا، وَقَرَأَ الْحَسَنُ: فِيمَا نَقَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِنَصْبِ الدَّالِ وَرَفْعِ اللَّامِ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ فِيمَا نَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ بِرَفْعِهِمَا عَطَفَ فَنَعْمَلَ عَلَى نُرَدُّ، وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو حَيْوَةَ بِنَصْبِهِمَا فَنَصَبَ أَوْ نُرَدُّ عَطْفًا عَلَى فَيَشْفَعُوا لَنا جَوَابًا عَلَى جَوَابٍ فَيَكُونُ الشُّفَعَاءُ فِي أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا فِي الْخَلَاصِ مِنَ الْعَذَابِ وَإِمَّا في الرَّدِّ إِلَى الدُّنْيَا لِاسْتِئْنَافِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَتَكُونُ الشَّفَاعَةُ قَدِ انْسَحَبَتْ عَلَى الرَّدِّ أو الخلاص وفَنَعْمَلَ عَطْفٌ عَلَى فَنُرَدُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَوْ نُرَدُّ مِنْ بَابِ لَأَلْزَمَنَّكَ أَوْ تَقْضِيَنِي حَقِّي عَلَى تَقْدِيرِ مَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي أَوْ كَيْ تَقْضِيَنِي حَقِّي فَجَعَلَ اللُّزُومَ مُغَيًّا بِقَضَاءِ حَقِّهِ أَوْ معمولا لَهُ لِقَضَاءِ حَقِّهِ وَتَكُونُ الشَّفَاعَةُ إِذْ ذَاكَ فِي الرَّدِّ فَقَطْ وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ سِيبَوَيْهِ أَلَا إِنِّي لَأَلْزَمَنَّكَ إِلَّا أَنْ تَقْضِيَنِي فَلَيْسَ يَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى أَوْ مَعْنَى إِلَّا هُنَا إِذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى هَلْ تَشْفَعُ لَنَا شُفَعَاءُ إِلَّا أَنْ نُرَدَّ وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَقَوْلُهُمْ هَذَا هَلْ هُوَ مَعَ الرَّجَاءِ أَوْ مَعَ الْيَأْسِ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي نِدَائِهِمْ أَنْ أَفِيضُوا، قَالَ الْقَاضِي وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى حُكْمَيْنِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى الْإِيمَانِ وَالتَّوْبَةِ وَلِذَلِكَ سَأَلُوا الرَّدَّ الثَّانِي إِنَّ أَهْلَ الْآخِرَةِ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ خِلَافًا لِلْمُجْبِرَةِ وَالنَّجَّارِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا سَأَلُوا الرَّدَّ بَلْ كَانُوا يَتُوبُونَ وَيُؤْمِنُونَ.
قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ أَيْ خَسِرُوا فِي تِجَارَةِ أَنْفُسِهِمْ حَيْثُ ابْتَاعُوا الْخَسِيسَ الْفَانِي مِنَ الدُّنْيَا بِالنَّفِيسِ الْبَاقِي مِنَ الْآخِرَةِ وَبَطَلَ عَنْهُمُ افْتِرَاؤُهُمْ عَلَى اللَّهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ وَلَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَكَذَّبَهُمْ فِي اتِّخَاذِ آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ.

الصفحة 63