كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 5)

عَائِدٌ عَلَى السَّحَابِ. وَقِيلَ عَائِدٌ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَفْهُومِ مَنْ سُقْنَاهُ فَالتَّقْدِيرُ بِالسَّحَابِ أَوْ بِالسَّوْقِ وَالثَّالِثُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ مَعَ وُجُودِ الْمَذْكُورِ وَصَلَاحِيَتِهِ لِلْعَوْدِ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: عَائِدٌ عَلَى السَّحَابِ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ أَيْ فَأَنْزَلْنَا مِنْهُ الْمَاءَ كَقَوْلِهِ يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ «1» أَيْ مِنْهَا وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّهُ تَضْمِينٌ مِنَ الْحُرُوفِ.
فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ الْخِلَافُ فِي بِهِ كَالْخِلَافِ السَّابِقِ فِي بِهِ. وَقِيلَ:
الْأَوَّلُ عَائِدٌ عَلَى السَّحَابِ وَالثَّانِي عَلَى الْبَلَدِ عَدَلَ عَنْ كِنَايَةٍ إِلَى كِنَايَةٍ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ كَقَوْلِهِ:
الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ «2» وَفَاعِلُ أَمْلَى لَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أَيْ مِثْلُ هَذَا الْإِخْرَاجِ نُخْرِجُ الْمَوْتى مِنْ قُبُورِهِمْ أَحْيَاءً إِلَى الْحَشْرِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ بِإِخْرَاجِ الثَّمَرَاتِ وَإِنْشَائِهَا خُرُوجَكُمْ لِلْبَعْثِ إِذِ الْإِخْرَاجَاتُ سَوَاءٌ فَهَذَا الْإِخْرَاجُ الْمُشَاهَدُ نَظِيرُ الْإِخْرَاجِ الْمَوْعُودِ بِهِ
خَرَّجَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُعِيدُ اللَّهُ الْخَلْقَ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ؟ قَالَ «أَمَا مَرَرْتَ بِوَادِي قَوْمِكَ جَدْبًا ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ خَضِرًا» قَالَ: نَعَمْ قَالَ: «فَتِلْكَ آيَةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ»
انْتَهَى، وَهَلِ التَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ الْإِخْرَاجِ وَدَلَالَةُ إِخْرَاجِ الثَّمَرَاتِ عَلَى الْقُدْرَةِ فِي إِخْرَاجِ الْأَمْوَاتِ أَمْ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاجِ وَأَنَّهُ يَنْزِلُ مَطَرٌ عَلَيْهِمْ فَيَحْيَوْنَ كَمَا يَنْزِلُ الْمَطَرُ عَلَى الْبَلَدِ الْمَيِّتِ فَيَحْيَا نَبَاتُهُ احْتِمَالَانِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُمْطِرُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَاءٍ تَحْتَ الْعَرْشِ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَوَانِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الزَّرْعُ فَإِذَا كَمُلَتْ أَجْسَامُهُمْ نَفَخَ فِيهَا الرُّوحَ ثُمَّ يُلْقِي عَلَيْهِمْ نَوْمَةً فَيَنَامُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ الثَّانِيَةِ قَامُوا وَهُمْ يَجِدُونَ طَعْمَ النَّوْمِ فَيَقُولُونَ يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا فَيُنَادِيهِمُ الْمُنَادِي هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ.
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً الطَّيِّبُ الْجَيِّدُ التُّرْبِ الْكَرِيمُ الْأَرْضِ، وَالَّذِي خَبُثَ الْمَكَانُ السَّبَخُ الَّذِي لَا يُنْبِتُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَهُوَ الرَّدِيءُ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَمَّا قَالَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ تَمَّمَ هَذَا الْمَعْنَى بِكَيْفِيَّةِ مَا يَخْرُجُ مِنَ النَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَرْضِ السَّبَخَةِ وَتِلْكَ عَادَةُ اللَّهِ فِي إِنْبَاتِ الْأَرَضِينَ وَفِي الْكَلَامِ حَالٌ مَحْذُوفَةٌ أَيْ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ وَافِيًا حَسَنًا وَحُذِفَتْ لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَلِدَلَالَةِ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ عَلَيْهَا وَلِمُقَابَلَتِهَا بِقَوْلِهِ إِلَّا نَكِداً وَلِدَلَالَةِ بِإِذْنِ رَبِّهِ لِأَنَّ مَا أَذِنَ اللَّهُ فِي إِخْرَاجِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى أحسن حال وبِإِذْنِ رَبِّهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَخَصَّ خُرُوجَ نَبَاتِ الطَّيِّبِ
__________
(1) سورة الإنسان: 676.
(2) سورة محمد: 47/ 25.

الصفحة 79