كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 5)

تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ»
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَرَّ بِقَبْرٍ فَقَالَ أَتَعْرِفُونَ مَا هَذَا؟ قَالُوا لَا قَالَ «هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ الَّذِي هُوَ أَبُو ثَقِيفٍ كَانَ مِنْ ثَمُودَ فَأَصَابَ قَوْمَهُ الْبَلَاءُ وَهُوَ بِالْحَرَمِ فَسَلِمَ فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الحرم أصابه فَدُفِنَ هُنَا وَجُعِلَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ» قَالَ فَابْتَدَرَ الْقَوْمُ بِأَسْيَافِهِمْ فَحَفَرُوا حَتَّى أَخْرَجُوا الْغُصْنَ.
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ هُوَ لُوطُ بْنُ هَارُونَ أَخِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَنَاحُورَ وَهُمْ بَنُو تَارِحِ بْنِ نَاحُورَ وَتَقَدَّمَ رَفْعُ نَسَبِهِ وَقَوْلُهُ هُمْ أَهْلُ سَدُومَ وَسَائِرِ الْقُرَى الْمُؤْتَفِكَةِ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِمْ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أُمَّةٍ تُسَمَّى سَدُومُ وَانْتَصَبَ لُوطاً بِإِضْمَارِ وَأَرْسَلْنَا عَطْفًا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ قبله وإِذْ مَعْمُولَةٌ لِأَرْسَلْنَا وَجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ: نصبه بواذكر مُضْمَرَةً زَادَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ إِذْ بَدَلٌ مِنْ لُوطٍ أَيْ وَاذْكُرْ وَقْتَ قَالَ لِقَوْمِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى كَوْنِ إِذْ تَكُونُ مَفْعُولًا بِهَا صَرِيحًا لِاذْكُرْ وَأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِيهَا وَالِاسْتِفْهَامُ هُوَ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِ وَالتَّشْنِيعِ وَالتَّوْقِيفِ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ الْقَبِيحِ والْفاحِشَةَ هُنَا إِتْيَانُ ذُكْرَانِ الْآدَمِيِّينَ فِي الْأَدْبَارِ وَلَمَّا كان هذا بالفعل مَعْهُودًا قُبْحُهُ وَمَرْكُوزًا فِي الْعُقُولِ فُحْشُهُ أَتَى مُعَرَّفًا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَوْ تَكُونَ أَلْ فِيهِ لِلْجِنْسِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ كَأَنَّهُ لِشِدَّةِ قُبْحِهِ جُعِلَ جَمِيعَ الْفَوَاحِشِ وَلِبُعْدِ الْعَرَبِ عَنْ ذَلِكَ الْبُعْدَ التَّامَّ وَذَلِكَ بِخِلَافِ الزِّنَا فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً «1» فَأَتَى بِهِ مُنَكَّرًا أَيْ فَاحِشَةٌ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْعَرَبُ يَفْعَلُهُ وَلَا يَسْتَنْكِرُونَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا ذِكْرِهِ فِي أَشْعَارِهِمْ وَالْجُمْلَةُ الْمَنْفِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ هُمْ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْفِعْلَةَ الْقَبِيحَةَ وَأَنَّهُمْ مُبْتَكِرُوهَا وَالْمُبَالَغَةُ فِي مِنْ أَحَدٍ حَيْثُ زِيدَتْ لِتَأْكِيدِ نَفْيِ الْجِنْسِ وَفِي الْإِتْيَانِ بِعُمُومِ الْعَالَمِينَ جَمْعًا.
قَالَ عُمَرُ بْنُ دِينَارٍ: مَا رُئِيَ ذَكَرٌ عَلَى ذَكَرٍ قَبْلَ قَوْمِ لُوطٍ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانَ يَأْتِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا يَأْتُونَ الْغُرَبَاءَ كَانَتْ بِلَادُهُمُ الْأُرْدُنَّ تُؤْتَى مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِخِصْبِهَا فَقَالَ لَهُمْ إبليس هو فِي صُورَةِ غُلَامٍ إِنْ أَرَدْتُمْ دَفْعَ الْغُرَبَاءِ فَافْعَلُوا بِهِمْ هَكَذَا فَمَكَّنَهُمْ مِنْ نَفْسِهِ تَعْلِيمًا ثُمَّ فَشَا وَاسْتَحَلُّوا مَا اسْتَحَلُّوا وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عَالَمِي زَمَانِهِمْ وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى مَا سَبَقَكُمْ إِلَى لُزُومِهَا وَيَشْهَدُهَا وَفِي تَسْمِيَةِ هَذَا الْفِعْلِ بِالْفَاحِشَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الزِّنَا يُرْجَمُ مَنْ أُحْصِنَ وَيُجْلَدُ مَنْ لَمْ يُحْصَنْ وفعله
__________
(1) سورة الإسراء: 17/ 32.

الصفحة 99