كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 5)

والمعاصي حرام في كل زمان، وفي الأشهر الحرم أشد وأغلظ.
وفيه: تعظيم الحرمات الثلاث: الدماء، والأموال، والأعراض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم: ((أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ ))، ((فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ ))، ((فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ )) لتنبيههم على تعظيمها، وأن الدماء والأموال والأعراض محرمة بين الناس كما أن هذه المذكورات كلها حرام.
وفيه: أن الصحابة رضي الله عنهم لما سئلوا قالوا: ((اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ))، وكان قولهم هذا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ينزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم، وأما بعد وفاته، فيقال: الله أعلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم أحوال أمته.
وفيه: أن القتال بين المسلمين من الأعمال الكفرية، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا، أَوْ ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ))، وهو كفر دون كفر، لا يخرج من الملة إلا إذا استحله فاعله، فمن استحل قتل أخيه المسلم فقد كفر، لكن إذا لم يستحله وإنما قتله استضعافًا له، أو اتباعًا للهوى والشيطان، فإنه من الأعمال الكفرية التي لا تخرج من الملة.
وفيه: وجوب تبليغ العلم؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ))، أي: قد يكون الذي يَبْلَغُه الحديثُ يفهم منه ما لا يفهمه المبلِّغ، فقد يكون الذي يبْلَغُه فقيهًا، والذي بلَّغه أقلَّ منه فقهًا.
وهنا مسألة، وهي: كيف نوجه قتال الصحابة في الأشهر الحرم؟
والجواب: القتال في الأشهر الحرم اختلف فيه أهل العلم، فالجمهور على جواز القتال فيها، وأن التحريم منسوخ؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم قاتلوا في الأشهر الحرم، ولم يزالوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يفتحون الأمصار في الأشهر الحرم (¬١).
---------------
(¬١) المبسوط، للسرخسي (١٠/ ٣)، جواهر الإكليل، للأبي (١/ ٢٠٧)، مواهب الجليل، للحطاب (٣/ ٢٠٣)، روضة الطالبين، للنووي (١٠/ ٢٠٤)، نهاية المحتاج، للرملي (٨/ ٤٥)، وكشاف القناع، للبهوتي، المغني، لابن حجر (٩/ ٤٩٩).

الصفحة 28