كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 5)

كانوا خمسين رجلًا حلف كل واحد يمينًا، وإن كانوا خمسةً وعشرين حلف كل واحد يمينين، وهكذا تقسم عليهم الأيمان، فإن امتنعوا رُدت الأيمان على خصومهم، فإذا حلفوا برئ.
وفيه: أن دية المقتول مائة من الإبل.
وقوله: ((فَرَكَضَتْنِي نَاقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ رَكْضَةً بِرِجْلِهَا))، يعني: رفستني، وهذا فيه تحقيقُ أنهم أُعطوا مائةً من الإبل؛ وذلك أن سهلًا رضي الله عنه رآها وشاهدها.
وجمهور العلماء على الأخذ بالقسامة، وذهب بعض أهل العلم إلى إبطال حكم القسامة، وأنه لا يُعمل بها، وقالوا: إنها على خلاف الأصل، والأصل: أن الأيمان توجه على الموكل لا على المدعي، ويقولون في هذه القصة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم وداه من عند نفسه، ولكن هذا قول مرجوح، وتأويل لا وجه له، فإن هذا الحديث صريح في القسامة.
والذين قالوا بالقسامة اختلفوا: هل يجب بها القِصاص، أَوِ الدية؟ والصواب: أنه يجبُ بها القِصاص إذا حلفوا (¬١).
وقوله: ((كَبِّرِ الْكُبْرَ، أَوْ قَالَ: لِيَبْدَأْ الْأَكْبَرُ)) فيه: دليل على تقديم الأكبر في الأمور المتساوية، كالإمامة إذا تساووا في القراءة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لِيَؤُمَّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا)) (¬٢).
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم وداهم من عند نفسه، من بيت المال، وفي بعض الروايات: ((فَكَرِهَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلَّ دَمُهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِل الصَّدَقَةِ)) (¬٣).
واستشكل هذا الشافعية، قال النووي: قالوا: كيف يدفع من إبل الصدقة،
---------------
(¬١) بدائع الصنائع، للكاساني (٧/ ٢٨٦)، مغني المحتاج، للخطيب الشربيني (٤/ ١٦٦)، الشرح الكبير، للدردير (٤/ ٢٣٥) شرح منتهى الارادات، للبهوتي (٣/ ٣٠٨)، المغني، لابن قدامة (١٠/ ٣٠).
(¬٢) أخرجه أحمد (١٦٦٤٨).
(¬٣) أخرجه البخاري (٦٨٩٨).

الصفحة 9