كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 5)
الصفة أو بالإرادة، والسخط صفة ثابتة لله عز وجل، قال الله تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة: ٨٠]، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: ٢٨]، وفي الصحيحين من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ؟ ! فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ ! فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا» (¬١).
وأيضًا صفة الكُره ثابتة لله سبحانه وتعالى، قال الله في حقِّ المنافقين: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: ٤٦]، وفي الصحيحين عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ» (¬٢).
وهكذا صفة الرِّضَا ثابتة لله سبحانه، قال الله تعالى: {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: ١١٩]، وقال تعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: ٧]، وفي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ ... فَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ» (¬٣).
ومذهب المُؤوِّلة يتضمن التشبيه والتعطيل، فيقولون مثلًا في معنى: {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: ١١٩]، أي: أثابهم، فأوَّلُوا الرضى بالثواب، فهم شبَّهُوا أولًا فظنوا أن رضا الرَّبِّ كرضا المخلوق وهذا تشبيه، فلمَّا وقع
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٦٥٤٩)، ومسلم (٢٨٢٩).
(¬٢) أخرجه البخاري (٦٥٠٧)، ومسلم (٢٦٨٣).
(¬٣) أخرجه البخاري (٣٤٦٤)، ومسلم، (٢٩٦٤).
الصفحة 94