كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 5)

ومعلومٌ أن قولَه - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمَّن الإمامُ فأمِّنوا" لم يُرِدْ به: فادعوا مثلَ دعاءِ الإمام: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخر السورة. وهذا ما لا يُختلَفُ فيه، وإنما أراد من المأموم قولَ: آمينَ لا غيرُ، وهذا إجماعٌ من العلماء، فكذلك أراد من الإمام قولَ: آمينَ. لا الدعاءَ بالتلاوة؛ لأنَّه قد سوَّى بينهما في لفظِه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "إذا أمَّن الإمامُ فأمِّنوا". فالتأمينُ من الإمام كهو من المأموم سواءً، وهو قولُ: آمينَ. هذا ما يُوجِبُه ظاهرُ الحديث، فكيف وقد ثبَت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقولُ: "آمين" إذا فرَغ من قراءة فاتحة الكتاب (¬١)؛ وهذا نصٌّ يرفعُ الإشكالَ ويقطعُ الخلافَ، وهو قولُ جمهورِ علماءِ المسلمين. وممَّن قال ذلك مالكٌ في روايةِ المدنيِّين عنه (¬٢)، منهم: عبدُ الملك بنِ الماجِشون، ومطرِّفُ بنُ عبدِ الله، وأبو المصعبِ الزهريُّ، وعبدُ الله بنُ نافع، وهو قولُهم؛ قالوا: يقولُ: آمين. الإمامُ ومَن خلفَه. وهو قولُ الشافعيِّ وأبي حنيفةَ وأصحابِهما، والثوريِّ، والحسنِ بنِ حيٍّ، وابنِ المبارك، وأحمدَ بنِ حنبلٍ، وإسحاقَ، وأبي عبيدٍ، وأبي ثورٍ، وداودَ، والطبريِّ، وجماعةِ أهلِ الأثر (¬٣)؛ لصحتِه عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من حديثِ أبي هريرةَ، ووائلِ بن حُجرٍ. وقال الكوفيون وبعضُ المدنيين: لا يجهرُ بها، وهو قولُ الطبريِّ. وقال الشافعيُّ وأصحابُه، وأبو ثورٍ، وأحمدُ، وأهلُ الحديث: يجهرُ بها (¬٤).
حدّثنا عبدُ الله بنُ محمدِ بنِ يحيى، قال: حدّثنا محمدُ بنُ بكرٍ، قال: حدّثنا
---------------
(¬١) سيخرجه ابن عبد البر من رواية أبي هريرة ومن رواية وائل بن حُجر قريبًا.
(¬٢) انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب ص ٩٤.
(¬٣) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٢٠٢، والمجموع شرح المهذب للنووي ٣/ ٣٧٣.
(¬٤) انظر: المغني لابن قدامة ١/ ٣٥٣، والمجموع للنووي ٣/ ٣٧٣.

الصفحة 10