كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 5)

وقولُه: ورِث حفصةَ دارَها، يريدُ: من حفصةَ دارَها، ومن هذا قولُ أبي الحجْنَاء:
أضْحَتْ جيادُ ابنِ قَعْقَاعٍ مُقَسَّمَةً ... في الأقرَبينَ بلا مَنٍّ ولا ثَمَنِ
وَرَّثتَهمْ فتَسلَّوا عنك إذْ وَرِثُوا ... وما وَرِثْتُكَ غيرَ الهمِّ والحَزَنِ (¬١)
أي: ما وَرِثتُ منك غيرَ الهمِّ والحَزَنِ.
وقالت زينبُ الطَّثَرِيةُ تَرْثي أخَاها يزيدَ:
* مَضَى وورِثْنَاه دَرِيسَ مُفاضَةٍ (¬٢) *
وعلى هذا أكثرُ العلماء، وجماعةُ أهلِ الفَتوَى، في الفرقِ بينَ العُمرَى والسُّكْنَى، وقالوا: لا تنصرِفُ إلى صاحبِها أبدًا. وكان الشعبيُّ يقولُ: إذا قال: هو لك سُكْنَى حتى تموتَ، فهو له حيَاتَه ومَوْتَه، وإذا قال: داري هذه اسْكُنْها حتى تموتَ، فإنَّها ترجِعُ إلى صاحبِها (¬٣).
وأمَّا قولُ جابرٍ، فذكَر عبدُ الرزَّاقِ (¬٤)، عن ابنِ جريج، عن أبي الزُّبيرِ، عن جابرٍ، قال: أعمَرتِ امرأةٌ بالمدينةِ حائطًا لها ابنًا لها، ثم تُوفِّي وترَك ولدًا، وتُوفِّيَتْ بعدَه وترَكت ولَدَينِ أخَوَيْنِ سِوَى المُعْمَرِ - أظُنُّه قال: فقال ولَدُ المُعْمِرَةِ: يَرجِعُ الحائطُ إلينا. وقال ولدُ المعمَرِ: بل كان لأبينا حياتَه وموتَه - فاختصموا إلى طارقٍ مَولى عثمانَ، فدخَل جابرٌ، فشَهِد على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بالعُمْرَى لصاحِبِها. فقَضَى بذلك طارقٌ، ثم كتَب إلى عبدِ الملكِ، فأخبَره بذلك، وأخبَره
---------------
(¬١) هذان البيتان من أبيات الحماسة. انظر: شرح ديوان الحماسة للتبريزي ص ٣٦٦ - ٣٦٧.
(¬٢) هذا صدر بيت عجزه: وأبيض هنديًّا طويلًا حمائله. انظر: البيان والتبيين للجاحظ ١/ ١٨٧.
(¬٣) أخرجه عبد الرزاق (١٦٩٠٢) و (١٦٩٠٣) و (١٦٩٠٨)، وابن أبي شيبة (٢٣٠٧٥).
(¬٤) في مصنَّفه (١٦٨٨٦)، ومن طريقه أخرجه مسلم (١٦٢٥).

الصفحة 128