كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 5)
عن الزُّهريِّ، قال: حدَّثني حُميدُ بنُ عبد الرَّحمن، عن أبي هريرةَ. وحدَّثني عبدُ الوارث بنُ سفيان، قال: حَدَّثَنَا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حَدَّثَنَا محمدُ بنُ الهيثم، قال: حَدَّثَنَا أبو صالح، قال: حَدَّثَنَا هِقلٌ، قال: حَدَّثَنَا الأوزاعيُّ، قال: حدَّثني الزُّهريُّ، قال: حدَّثني حُميدُ بنُ عبدِ الرَّحمن بن عوفٍ، قال: حدَّثني أبو هريرةَ، قال: بينما أنا عندَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالسٌ، إذ جاءَه رجلٌ، فقال: يا رسولَ الله، قد هلكتُ. قال: "ويحَك، وما صنَعتَ؟ "، قال: وقَعْتُ على أهلي، قال: "أعتِقْ رقبةً"، قال: ما أجِدُها، قال: "فصُمْ شهرين مُتتابعين"، قال: لا أستطيعُ، قال: "فأطعِمْ ستِّينَ مسكينًا"، قال: ما أجدُ. فأُتِيَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعَرَقٍ فيه خمسةَ عشَرَ صاعًا - وفي حديثِ أيوبَ بن سُويدٍ: بمِكْتَلٍ فيه خمسةَ عشَرَ صاعًا من تمرٍ - فقال: "أين السائلُ؟ "، فقال: ها أنا يا رسولَ الله، قال: "خُذْه وتصدَّقْ به على ستِّينَ مسكينًا"، فقال: يا رسولَ الله، أعلَى غير أهلي؟ فوالذي نفسي بيدِه، ما بينَ لابَتي المدينةِ أحدٌ أحوجُ منِّي. فضحِك رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدَتْ أنيابُه، وقال: "خُذْه، واستغفِرْ ربَّكَ" (¬١).
وإذا أطعمَ خمسةَ عشَرَ ستِّينَ، أصابَ كلُّ مسكينٍ منهم رُبُعَ صاع؛ وذلك مُدٌّ بمدِّ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهذا قاطعٌ في موضع الخلاف.
وقال الثوريُّ، وأبو حنيفةَ وأصحابُه: لا يُجزِئُه أقلُّ من مُدَّين بمدِّ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذلك نصفُ صاع لكلِّ مسكين، تتمّةَ ثلاثينَ صاعًا، قياسًا منهم على إجماع العلماء أنَّ ذلك هو المقدارُ الذي لا يُجزِئُ أقلُّ منه في فديةِ الأذى (¬٢).
---------------
(¬١) أخرجه ابن حبان (٣٥٢٦)، والدارقطني (٢٣٠٣)، والبيهقي ٤/ ٢٢٤ و ٥/ ١٨٥ و ١٨٦ و ٧/ ٣٩٣ و ١٠/ ٥٤ من طرق عن الأوزاعي، بهذا الإسناد. وإسناده صحيح.
(¬٢) انظر: بداية المجتهد لابن رشد ٢/ ٦٧ - ٦٨.