كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 5)

وكذلك رَواه معمرٌ وابنُ جريج.
ذكَر عبدُ الرزاق (¬١)، عن معمرٍ وابن جُريج، عن الزهريِّ، عن ابنِ المُسيِّب وأبي سلَمةَ، عن أبي هريرةَ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "العَجَماءُ جُبَارٌ، والبئرُ جَرْحُها جُبَارٌ، والمعدِنُ جَرْحُه جُبَار، وفي الرِّكازِ الخُمُسُ".
والعَجْماءُ عندَ العرب: كُلُّ بَهِيمَةٍ وسَبُعٍ وحَيَوانٍ غيرِ ناطقٍ مُفْصِح (¬٢).
قال الشاعِرُ (¬٣) يَصفُ كلبًا:
يكادُ إذا ما أبصَرَ الضيفَ مُقبِلًا ... يُكَلِّمُه من حُبِّه وهْوَ أعْجَمُ
وقال حميدُ بنُ ثَوْرٍ يصفُ حمامةَ:
ولم أرَ مَحزُونًا له مثلُ صَوتِها ... ولا عَرَبِيًّا شاقَه صَوْتُ أعْجَما
قال ابنُ جُريج: والجُبَارُ في كلام أهلِ تِهامةَ: الهَدْرُ، والرِّكازُ: ما وُجِد في مَعْدِنٍ وما استُخْرِج منه، وما وُجِدَ من مالٍ مَدْفُونٍ كان قبلَ هذه الأُمَّة. وقال ابنُ جُريج: وأقول: هو مَغنَمٌ. وقال أهلُ اللغة: الجُبَارُ: الهَدْرُ الذي لا يَجِبُ فيه شيءٌ، وجَرحُ العَجْماءِ: جِنايَتُها.
وأجمَعَ العلماءُ على أنَّ العَجْماءَ إذا جَنَت جِنايَةً نهارًا، أو جرَحَت جَرْحًا لم يكنْ لأحَدٍ فيه سَبَبٌ، أنّه هَدْرٌ، لا دَيَةَ فيه على أحَدٍ ولا أَرْشَ (¬٤). واختَلَفوا في المواشي يُهمِلُها صاحبُها ولا يُمسِكُها ليلًا، فتخرُجُ فتُفسِدُ زرعًا أو كَرْمًا أو غيرَ ذلك من ثمارِ الحوائطِ والأجِنَّةِ وخُضَرِها. وسنذكُرُ اختلافَهم في ذلك، ونُوضحُ
---------------
(¬١) في المصنَّف (١٨٣٧٣)، ومن طريقه أخرجه أحمد ١٢/ ٤٢٥ (٧٤٥٧) و ١٣/ ١٣٣ (٧٧٠٤).
(¬٢) انظر غريب الحديث لأبي عُبيد القاسم بن سلّام ١/ ٢٨١.
(¬٣) هو إبراهيم بن هرمة. انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة ٢/ ٧٤٢.
(¬٤) وممن حكى الإجماع على ذلك أيضًا القاضي عياض في إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم ٥/ ٥٥٣.

الصفحة 19