كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 5)
فلا كفّارةَ عليه لإفطارِه الثاني إذا كان في شهرٍ واحدٍ (¬١). واختُلف عن الثوريِّ، فرُوِيَ عنه مثلُ قول أبي حنيفةَ روايةَ أبي يوسفَ، ورُوِيَ عنه غيرُ ذلك.
وأمّا قولُه في الحديث: فأُتيَ بعَرَقِ تمر. فأكثرُهم يرويه بسكونِ الراءِ، والصواب عندَ أهلِ الإتقانِ فيه فتحُ الراء، وكذلك قولُ أهل اللُّغة (¬٢). وقد زعَم ابنُ حبيبٍ أنَّه ما رواه مُطرِّفٌ عن مالكٍ إلّا بتحريكِ الرّاءِ وبالفتح. قال: والعَرْقُ بتسكين الرّاءِ هو العظمُ. قال: وتأويلُ العَرَقِ، بفتح الرّاءِ: المِكتلُ العظيمُ الذي يسَعُ قدرَ خمسةَ عشَرَ صاعًا؛ وهو ستُّونَ مُدًّا، كذلك سمِعتُ مُطرِّفًا وابنَ الماجشون يقولان (¬٣). قال عبدُ الملك بنُ حبيبٍ: وإنَّما سُمِّيَ العَرَقَ لضَفْرِه؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ مضفورٍ فهو عَرَق، ولذلك سُمِّيَ المِكْتلُ عَرَقًا؛ لأَنَّه مضفورٌ بالخُوص، قال أبو كبير الهُذَليُّ:
نَغْدو فنترُكُ في المزاحفِ مَن ثوَى ... ونُمِرُّ في العرَقاتِ من لَمْ نقتُلِ
يقول: نأسِرُهم فنشُدُّهم في العَرَقات، يعني النُّسوع (¬٤)؛ لأنَّها مضفورةٌ. قال: وكلُّ شيءٍ مُصطفٍّ مثلَ الطَّير إذا صَفَّت في السَّماء، فهي عَرَقةٌ؛ لأنَّها شُبِّهَت بالشيء المضفور (¬٥).
وقال أحمدُ بنُ عمرانَ الأخفش: المِكتَلُ العظيمُ، فإنَّما (¬٦) سُمِّيَ عَرَقًا
---------------
(¬١) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٣٠.
(¬٢) انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي ٤/ ١٧، ولسان العرب لابن منظور مادة (عرق) ١٠/ ٢٤٦.
(¬٣) انظر: تفسير غريب الموطأ لعبد الملك بن حبيب ١/ ٣٦٠ - ٣٦١.
(¬٤) هو جمع النِّسْع، وهو سَيْر، أي: جلد، يُنسَجُ، أي يضفر، تشد به الرِّحال. انظر: تاج العروس للزبيدي مادة (نسع).
(¬٥) انظر: تفسير غريب الموطأ لابن حبيب ١/ ٣٦١ - ٣٦٢.
(¬٦) هكذا في النسخ، بالفاء.