كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 5)

لم يقلْ أحدٌ في حديثِ عائشةَ هذا: السُّنَّة. إلَّا عبدَ الرحمنِ بنَ إسحاقَ، ولا يصِحُّ هذا الكلامُ كلُّه عندَهم إلَّا من قولِ الزُّهريِّ في صوم المعتكفِ، ومباشرتِه وسائرِ الحديثِ (¬١).
والحُجَّةُ لمذهبِ الثَّوريِّ ومَن تابَعه أنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ قال: إذا اعتكفَ الرَّجلُ، فليشهدِ الجمعةَ، وليَعُدِ المريضَ، وليحضُرِ الجِنازةَ، وليأْتِ أهلَه، وليأمُرْهم بالحاجةِ وهو قائمٌ (¬٢). وأجازَ عليٌّ البيعَ والشَّراءَ للمعتكفِ.
وذكَر الحسنُ الحُلْوانيُّ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ عيسَى، قال: حدَّثنا أبو إسحاقَ الفَزاريُّ، عن أبي إسحاقَ الشَّيبانيِّ (¬٣)، عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، قال: اعتكفْتُ في مسجدِ الحيِّ، فأرسلَ إليَّ عمرُو بنُ حُريثٍ يدعوني، وهو أميرٌ على الكوفةِ،
---------------
= عبد الرحمن بن إسحاق: وهو ابن عبد الله بن الحارث بن كنانة المدني، وثقه يحيى بن معين في جملة روايات عنه، وفي رواية قال: صالح الحديث، وفي أخرى: ليس به بأس، وعن أحمد بن حنبل قال: صالح الحديث، وضعّفه بعضهم كما في تهذيب الكمال ١٦/ ٥٢٢ - ٥٢٣. وقال ابن حجر في التقريب (٣٨٠٠): "صدوق رُمي بالقدر".
وقال أبو داود بإثره: "غيرُ عبد الرحمن لا يقول فيه: قالت: السُّنة، قال أبو داود: جعله قول عائشة" وهذا منه أنه من قول مَنْ دون عائشة رضي الله عنها، وأنّ مَن أدرَجَه وهِمَ فيه، كما ذكر البيهقي.
قلنا: ولكن تابع عبد الرحمن بن إسحاق عبدُ الملك بن جريج عند الدارقطني في سننه ٣/ ١٨٧ (٢٣٦٣) في روايته عن ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب وعن عروة عنها. وتابعه كذلك الليث بن سعد عند البيهقي ٤/ ٣٢٠ (٨٨٥٥) في رواية عن عُقيل بن خالد عن ابن شهاب الزُّهري عن عروة بن الزُّبير عنها، فذكرا ما ذكره عبد الرحمن من قول عائشة رضي الله عنها.
(¬١) ينظر في ردِّ هذا القول ما ذكره ابن القيِّم في حاشيته على السنن ٧/ ١٥١، وما ذكرناه في التعليق السابق.
(¬٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٩٧٢٤) عن أبي الأحوص - سلّام بن سُليم الحنفي - عن عليٍّ رضي الله عنه. وأخرجه ابن حزم في المحلّى ٥/ ١٨٩ من طريق سعيد بن منصور عن أبي الأحوص، به. وإسناده حسن، لأجل عاصم بن ضمرة - وهو السَّلولي الكوفيّ - وثقه عليّ بن المديني، وقال النسائي: لا بأس به، وقال ابن حجر في التقريب (٣٠٦٣): "صدوق"، وينظر: تهذيب الكمال والتعليق عليه ١٣/ ٤٩٧ - ٤٩٨.
(¬٣) في الأصل: "السبيعي"، خطأ، والمثبت من بقية النسخ، وهو الموافق لما في مصادر التخريج.

الصفحة 651