كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 5)
عندَ مالكٍ وأصحابِه إنْ فعَله قبلَ السلام، والذي يستحبُّونه: بعدَ السلام في ذلك (¬١). واحتجَّ قائلو هذا القولِ بأنَّ ذلك منصوصٌ في حديث أبي هريرةَ هذا، كذا رواه محمدُ بنُ إسحاقَ (¬٢) ومحمدُ بنُ عبدِ الله بن مسلم ابنُ أخي الزُّهريِّ (¬٣)، جميعًا عن الزُّهريِّ بهذا الإسناد، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ، قالا فيه: "فلْيسجُدْ سجدتين وهو جالسٌ". وهو قولٌ مُجملٌ مُحتمِلٌ للتَّأويل، لكنَّه قد يتبيَّن في روايةِ ابن أخي الزُّهريِّ وابنِ إسحاقَ، عن ابن شهابٍ. قالوا: هذا على أنَّ الأغلبَ في ظاهرِ حديثِ مالكٍ أنَّهما قبلَ السَّلام. وقال أبو داودَ: رواه ابنُ عيينة (¬٤)، ومعمرٌ (¬٥)، اللَّيثُ (¬٦) كما رواه مالكٌ؛ لم يقولوا: قبل التَّسليم.
قال أبو عُمر: وقال آخرون في هذا الموضع: بل يسجدُهما بعدَ السَّلام، وممَّن قال ذلك مالكٌ رحمه الله، وحُجَّةُ مَن قال ذلك أنَّ عبدَ الله بن جعفرٍ
---------------
(¬١) انظر: المنتقى للباجي ١/ ١٨٣.
(¬٢) إسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق - وهو ابن يسار المطلبي - وقد صرح بالسماع عند أبي داود وغيره.
وأخرجه أبو داود (١٠٣٢)، وابن ماجة (١٢١٦)، والبيهقي ٢/ ٣٣٩ من طريقين عن محمد بن إسحاق، بهذا الإسناد.
(¬٣) إسناده حسن من أجل ابن أخي الزهري.
وأخرجه أبو داود (١٠٣١)، ومن طريقه البيهقي ٢/ ٣٣٩ من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن ابن أخي الزهري، به.
وقال العلائي فيما نقله عنه ابن حجر في فتح الباري ٣/ ١٠٤: هذه الزيادة في هذا الحديث بمجموع هذه الطرق لا تنزل عن درجة الحسن المحتج به، والله أعلم.
(¬٤) أخرجه مسلم (٥٦٩) (٨٢) عن عمرو الناقد وزهير بن حرب، كلاهما عن ابن عيينة، به.
(¬٥) أخرجه عبد الرزاق (٣٤٦٥)، وعنه أحمد ١٣/ ٢٢٤ (٧٨٢٢) عن معمر - وهو ابن راشد، عن الزهري، به، وإسناده صحيح.
(¬٦) أخرجه مسلم (٥٦٩) (٨٢) عن قتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح، كلاهما عن الليث - وهو ابن سعد - عن الزهري، به.