كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

الْأُضْحِيَّةِ فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ السَّمِينَةَ فِيهَا أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَا فَكُّ الرَّقَبَةِ وَهُنَاكَ طِيبُ اللَّحْمِ اه وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَرب شخص وَاحِد إِذا عتق انْتَفَعَ بِالْعِتْقِ وَانْتُفِعَ بِهِ أَضْعَافَ مَا يَحْصُلُ مِنَ النَّفْعِ بِعِتْقٍ أَكْثَرَ عَدَدًا مِنْهُ وَرُبَّ مُحْتَاجٍ إِلَى كَثْرَةِ اللَّحْمِ لِتَفْرِقَتِهِ عَلَى الْمَحَاوِيجِ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْتَفِعُ هُوَ بِطِيبِ اللَّحْمِ فَالضَّابِطُ أَنَّ مَهْمَا كَانَ أَكْثَرَ نَفْعًا كَانَ أَفْضَلَ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَاحْتُجَّ بِهِ لِمَالِكٍ فِي أَنَّ عِتْقِ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ إِذَا كَانَتْ أَغْلَى ثَمَنًا مِنَ الْمُسْلِمَةِ أَفْضَلُ وَخَالَفَهُ أَصْبَغُ وَغَيْرُهُ وَقَالُوا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَغْلَى ثَمَنًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا أَيْ مَا اغْتِبَاطُهُمْ بِهَا أَشَدَّ فَإِنَّ عِتْقَ مِثْلِ ذَلِكَ مَا يَقَعُ غَالِبًا إِلَّا خَالِصًا وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قَوْلُهُ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ أَيْ إِنْ لم أقدر على ذَلِك فَأطلق الْفِعْلَ وَأَرَادَ الْقُدْرَةَ وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْغَرَائِبِ بِلَفْظِ فَإِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ قَوْلُهُ تُعِينُ ضَائِعًا بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَحْتَانِيَّةٌ لِجَمِيعِ الرُّوَاةِ فِي الْبُخَارِيِّ كَمَا جَزَمَ بِهِ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ إِلَّا فِي رِوَايَةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ كَمَا قَالَهُ عِيَاضٌ أَيْضًا وَجَزَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ هِشَامًا رَوَاهُ هَكَذَا دُونَ مَنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيُّ وَنَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَة والتحتانية وَالصَّوَاب بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّون كَمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَدْ خَبَطَ مَنْ قَالَ مِنْ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ إِنَّهُ رُوِيَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ فَإِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَمْ تَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامٍ هَذَا الْحَدِيثَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ مَعْمَرٌ كَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ صَحَّفَ هِشَامٌ وَإِنَّمَا هُوَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ لِمُقَابَلَتِهِ بِالْأَخْرَقِ وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ بِصَانِعٍ وَلَا يُحْسِنُ الْعَمَلَ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِيْنِيِّ يَقُولُونَ إِنَّ هِشَامًا صَحَّفَ فِيهِ اه وَرِوَايَةُ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَهِيَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَعَكَسَ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِيهَا أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ وَقَدْ وُجِّهَتْ رِوَايَةُ هِشَامٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّائِعِ ذُو الضَّيَاعِ مِنْ فَقْرٍ أَوْ عِيَالٍ فَيَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْأَوَّلِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ رَجُلٌ أَخْرَقُ لَا صَنْعَةَ لَهُ وَالْجَمْعُ خُرْقٌ بِضَمٍّ ثُمَّ سُكُونٍ وَامْرَأَةٌ خَرْقَاءُ كَذَلِكَ وَرَجُلٌ صَانِعٌ وَصَنَعٌ بِفَتْحَتَيْنِ وَامْرَأَةٌ صَنَاعٌ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ أَيْ مِنَ الصِّنَاعَةِ أَوِ الْإِعَانَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْغَرَائِبِ أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّ قَوْلَهُ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ أَيْ لِلْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ لَا كَسَلًا مَثَلًا قَوْلُهُ تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَفَّ عَنْ الشَّرِّ دَاخِلٌ فِي فِعْلِ الْإِنْسَانِ وَكَسْبِهِ حَتَّى يُؤْجَرَ عَلَيْهِ وَيُعَاقَبَ غَيْرَ أَنَّ الثَّوَابَ لَا يَحْصُلُ مَعَ الْكَفِّ إِلَّا مَعَ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ لَا مَعَ الْغَفْلَةِ وَالذُّهُولِ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ مُلَخَّصًا قَوْلُهُ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْخَفِيفَةِ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَالْأَصْلُ تَتَصَدَّقُ وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا عَلَى الْإِدْغَامِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْجِهَادَ أفضل الْأَعْمَال بعد الْإِيمَان قَالَ بن حِبَّانَ الْوَاوُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ هَذَا بِمَعْنَى ثُمَّ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيِ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَاب مَنْ قَالَ إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا اخْتَلَفَ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ هُنَاكَ وَقِيلَ قَرَنَ الْجِهَادَ بِالْإِيمَانِ هُنَا لِأَنَّهُ كَانَ إِذْ ذَاكَ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ تَفْضِيلُ الْجِهَادِ فِي حَالِ تَعَيُّنِهِ وَفَضْلُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ لِمَنْ يَكُونُ لَهُ أَبَوَانِ فَلَا يُجَاهِدُ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَجْوِبَةَ اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ السَّائِلِينَ وَفِي الْحَدِيثِ حُسْنُ الْمُرَاجَعَةِ فِي السُّؤَالِ وَصَبْرُ الْمُفْتِي وَالْمُعَلِّمِ عَلَى التِّلْمِيذِ وَرِفْقُهُ بِهِ وَقَدْ روى بن حِبَّانَ وَالطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ أَسْئِلَةٌ كَثِيرَةٌ وَأَجْوِبَتُهَا تَشْتَمِلُ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا سُؤَالُهُ

الصفحة 149