كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا زَرَعَ بِمَالِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ وَكَانَ فِي ذَلِكَ صَلَاحٌ لَهُمْ)
أَيْ لِمَنْ يَكُونُ الزَّرْعُ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ انْطَبَقَ عَلَيْهِمُ الْغَارُ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي شَرْحِهِ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هُنَا قَوْلُ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْأَجِيرِ حَقَّهُ فَرَغِبَ عَنْهُ فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعْهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرُعَاتِهَا فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ عَيَّنَ لَهُ أُجْرَتَهُ فَلَمَّا تَرَكَهَا بَعْدَ أَنْ تَعَيَّنَتْ لَهُ ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِعَينهَا صَارَت من ضَمَانه قَالَ بن الْمُنِيرِ مُطَابَقَةُ التَّرْجَمَةِ أَنَّهُ قَدْ عَيَّنَ لَهُ حَقَّهُ وَمَكَّنَهُ مِنْهُ فَبَرِئَتْ ذِمَّتَهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا تَرَكَهُ وَضَعَ الْمُسْتَأْجِرُ يَدَهُ عَلَيْهِ وَضْعًا مُسْتَأْنَفًا ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيهِ بِطَرِيقِ الْإِصْلَاحِ لَا بِطَرِيقِ التَّضْيِيعِ فَاغْتُفِرَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعَدَّ تَعَدِّيًا وَلِذَلِكَ تَوَسَّلَ بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجَعَلَهُ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِهِ وَأُقِرَّ عَلَى ذَلِكَ وَوَقَعَتْ لَهُ الْإِجَابَةُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ هَلَكَ الْفَرْقُ لَكَانَ ضَامِنًا لَهُ إِذْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ فَمَقْصُودُ التَّرْجَمَةِ إِنَّمَا هُوَ خَلَاصُ الزَّارِعِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ بِهَذَا الْقَصْدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ رَفْعُ الضَّمَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ تَوَسُّلَهُ بِذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ لِكَوْنِهِ أَعْطَى الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ مُضَاعَفًا لَا بِتَصَرُّفِهِ كَمَا أَنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَ رِجْلَيِ الْمَرْأَةِ

الصفحة 16