كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ يَتَخَيَّرُ الشَّرِيكُ بَيْنَ الِاسْتِسْعَاءِ وَبَيْنَ عِتْقِ نَصِيبِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ عِنْدَهُ ابْتِدَاءً إِلَّا النَّصِيبُ الْأَوَّلُ فَقَطْ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا جَنَحَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُكَاتَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ وَعَنْ عَطَاءٍ يَتَخَيَّرُ الشَّرِيكُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ إِبْقَاءِ حِصَّتِهِ فِي الرِّقِّ وَخَالَفَ الْجَمِيعَ زُفَرُ فَقَالَ يُعْتَقُ كُلُّهُ وَتُقَوَّمُ حِصَّةُ الشَّرِيكِ فَتُؤْخَذُ إِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَتُرَتَّبُ فِي ذِمَّتِهِ إِن كَانَ مُعسرا

(قَوْلُهُ بَابُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ)
أَيْ مِنَ التَّعْلِيقَاتِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا بِالْقَصْدِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى رَدِّ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتَاقُ عَامِدًا كَانَ أَوْ مُخْطِئًا ذَاكِرًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا وَقَدْ أَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ وُقُوعُ الْخَطَأِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَلْفِظَ بِشَيْءٍ غَيْرِهِمَا فَيَسْبِقُ لِسَانُهُ إِلَيْهِمَا وَأَمَّا النِّسْيَانُ فَفِيمَا إِذَا حَلَفَ وَنَسِيَ قَوْلُهُ وَلَا عَتَاقَةَ إِلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ سَيَأْتِي فِي الطَّلَاقِ نَقْلُ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي الطَّبَرَانِيِّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا لَا طَلَاقَ إِلَّا لِعِدَّةٍ وَلَا عِتَاقَ إِلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ إِثْبَاتَ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ لِوَجْهِ اللَّهِ إِلَّا مَعَ الْقَصْدِ وَأَشَارَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ لوجه الله أَو للشَّيْطَان أَوْ لِلصَّنَمِ عَتَقَ لِوُجُودِ رُكْنِ الْإِعْتَاقِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لَا تُخِلُّ بِالْعِتْقِ قَوْلُهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ بِلَفْظِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى وَاللَّفْظُ الْمُعَلَّقُ أَوْرَدَهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَأَوْرَدَهُ فِي أَوَاخِرِ الْإِيمَانِ بِلَفْظِ وَلكُل امْرِئ مَا نوى وَإِنَّمَا فِيهِ مُقَدَّرَةٌ قَوْلُهُ وَلَا نِيَّةَ لِلنَّاسِي وَالْمُخْطِئِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ الْخَاطِئِ بَدَلَ الْمُخْطِئِ قَالُوا الْمُخْطِئُ مَنْ أَرَادَ الصَّوَابَ فَصَارَ إِلَى غَيْرِهِ وَالْخَاطِئُ مَنْ تَعَمَّدَ لِمَا لَا يَنْبَغِي وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الِاسْتِنْبَاطِ إِلَى بَيَانِ أَخْذِ التَّرْجَمَةِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ كَعَادَتِهِ وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ كَثِيرًا بِلَفْظِ رَفَعَ اللَّهُ عَن أمتِي

الصفحة 160