كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبِيدُ إِخْوَانُكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ)
لَفْظُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لِابْنِ مَنْدَهْ بِلَفْظِ إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ فَمَنْ لَايَمَكُمْ مِنْهُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَكْتَسُونَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُوَرِّقٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ بِلَفْظِ مَنْ لَايَمَكُمْ مِنْ مَمْلُوكِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ سَلَامِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَرْفُوعًا قَالَ أَرِقَّاؤُكُمْ إِخْوَانُكُمُ الْحَدِيثَ وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوصِي بِالْمَمْلُوكِينَ خَيْرًا وَيَقُولُ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي الْيَسَرِ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ رَفَعَهُ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَطْعَمُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَفِيهِ قِصَّتُهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ كِتَابِهِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَوْلُهُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين إِلَى قَوْله مختالا فخورا كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا قَوْلُهُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ذِي الْقُرْبَى الْقَرِيبُ وَالصَّاحِبُ بِالْجَنْبِ الْغَرِيبُ هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي كِتَابِ الْمَجَازِ وَقَدْ خُولِفَ فِي الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ فَقِيلَ هُوَ الْمَرْأَةُ وَقِيلَ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ هُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَدَخَلُوا فِيمَنْ أُمِرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ لِعَطْفِهِمْ عَلَيْهِمْ

[2545] قَوْله حَدثنَا وَاصل الأحدب هُوَ بن حَيَّانَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ الثَّقِيلَةِ وَهُوَ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ مِنْ طَبَقَةِ الْأَعْمَشِ وَالْمَعْرُورُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ كُوفِيٌّ أَيْضًا يُكَنَّى أَبَا أُمَيَّةَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ يُقَالُ عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً قَوْلُهُ رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَتَسْمِيَةُ الرَّجُلِ الَّذِي سَابَّهُ أَبُو ذَرٍّ وَالْكَلَامُ عَلَى الْحُلَّةِ قَوْلُهُ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ إِخْوَانَكُمْ كَذَا هُنَا وَتَقَدَّمَ فِي الْإِيمَانِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ بِزِيَادَةِ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ وَالِاخْتِصَارُ فِيهِ مِنْ آدَمَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ آدَمَ كَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شُعْبَةُ اخْتَصَرَهُ لَهُ لَمَّا حَدَّثَهُ بِهِ وَالْخَوَلُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْوَاوِ هُمُ الْخَدَمُ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَتَخَوَّلُونَ الْأُمُورَ أَيْ يُصْلِحُونَهَا وَمِنْهُ الْخَوْلِيُّ لِمَنْ يَقُومُ بِإِصْلَاحِ الْبُسْتَانِ وَيُقَالُ الْخَوَلُ جَمْعُ خَائِلٍ وَهُوَ الرَّاعِي وَقِيلَ التَّخْوِيلُ التَّمْلِيكُ تَقُولُ خَوَّلَكَ اللَّهُ كَذَا أَيْ مَلَّكَكَ إِيَّاهُ وَقَوْلُهُ عَيَّرْتَهُ أَيْ نَسَبْتَهُ إِلَى الْعَارِ وَفِي قَوْلِهِ بِأُمِّهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ وَإِنَّمَا يُقَالُ عَيَّرْتَهُ أُمَّهُ وَمِثْلُ الْحَدِيثِ قَوْلُ الشَّاعِرِ أَيُّهَا الشَّامِتُ الْمُعَيِّرُ بِالدَّهْرِ وَالْعَارُ الْعَيْبُ وَفِي تَقْدِيمِ لَفْظِ إِخْوَانِكُمْ عَلَى خَوَلِكُمْ إِشَارَةٌ إِلَى الِاهْتِمَامِ بِالْأُخُوَّةِ وَقَوْلُهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ مَجَازٌ عَنِ الْقُدْرَةِ أَوِ الْمِلْكِ قَوْلُهُ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ أَيْ مِنْ جِنْسِ مَا يَأْكُلُ لِلتَّبْعِيضِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي بَعْدَ بَابَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً فَالْمُرَادُ الْمُوَاسَاةُ لَا الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ لَكِنْ مَنْ أَخَذَ بِالْأَكْمَلِ كَأَبِي ذَرٍّ فَعَلَ الْمُسَاوَاةَ وَهُوَ الْأَفْضَلُ فَلَا يَسْتَأْثِرُ الْمَرْءُ عَلَى عِيَالِهِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا وَفِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ وَهُوَ يَقْتَضِي الرَّدَّ فِي ذَلِكَ إِلَى الْعُرْفِ فَمَنْ زَادَ عَلَيْهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا وَأَمَّا مَا حَكَاهُ بن بطال

الصفحة 174