كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ كَانُوا يَوْمَئِذٍ لَيْسَ لَهُمْ هَذَا الْقُوتُ وَاسْتَحْسَنَهُ فَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ حَمْلَ الْأَمْرِ عَلَى عُمُومِهِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ قَوْلُهُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ أَيْ عَمَلَ مَا تَصِيرُ قدرتهم فِيهِ مغلوبة أَي مَا يَعْجَزُونَ عَنْهُ لِعِظَمِهِ أَوْ صُعُوبَتِهِ وَالتَّكْلِيفُ تَحْمِيلُ النَّفْسِ شَيْئًا مَعَهُ كُلْفَةٌ وَقِيلَ هُوَ الْأَمْرُ بِمَا يَشُقُّ قَوْلُهُ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ أَيْ مَا يَغْلِبُهُمْ وَحُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ وَالْمُرَادُ أَنْ يُكَلَّفَ الْعَبْدُ جِنْسَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ يستطعيه وَحْدَهُ وَإِلَّا فَلْيُعِنْهُ بِغَيْرِهِ وَفِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الرَّقِيقِ وَتَعْيِيرِهِمْ بِمَنْ وَلَدَهُمْ وَالْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَالرِّفْقِ بِهِمْ وَيَلْتَحِقُ بِالرَّقِيقِ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ أَجِيرٍ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ عَدَمُ التَّرَفُّعِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالِاحْتِقَارِ لَهُ وَفِيهِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِطْلَاقُ الْأَخِ عَلَى الرَّقِيقِ فَإِنْ أُرِيدَ الْقَرَابَةُ فَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِنِسْبَةِ الْكُلِّ إِلَى آدَمَ أَوِ الْمُرَادُ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَيَكُونُ الْعَبْدُ الْكَافِرُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ أَوْ يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِالْمُؤْمِنِ

(قَوْلُهُ بَاب الْعَبْدِ إِذَا أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ سَيِّدَهُ)
أَيْ بَيَانِ فَضْلِهِ أَوْ ثَوَابِهِ أورد فِيهِ أَرْبَعَة أَحَادِيث أَحدهَا حَدِيث بن عُمَرَ الْمُصَرِّحُ بِأَنَّ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْرَيْنِ ثَانِيهَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى مِثْلُهُ وَزِيَادَةُ ذِكْرِ مَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَعَلَّمَهَا وَأَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ فِي الْإِيمَانِ بِلَفْظِ ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ فَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا مُؤْمِنَ أَهْلِ الْكِتَابِ ثَالِثُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الصَّالِحِ أَجْرَانِ وَاسْمُ الصَّلَاحِ يَشْمَلُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الشَّرْطَيْنِ وَهُمَا إِحْسَانُ الْعِبَادَةِ وَالنُّصْحُ لِلسَّيِّدِ وَنَصِيحَةُ السَّيِّدِ تَشْمَلُ أَدَاءَ حَقِّهِ مِنَ الْخِدْمَةِ وَغَيْرِهَا وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى بِلَفْظِ وَيُؤَدِّي إِلَى سَيِّدِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَالنَّصِيحَةِ وَالطَّاعَةِ رَابِعُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا نِعْمَ مَا لِأَحَدِهِمْ يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِلْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ

الصفحة 175