كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

غَيْرِهِ قَابِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ وَأَشَارَ غَيْرُهُ إِلَى أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَقَعَ لَهُ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ وَأَثْبَتَ الرِّوَايَةَ آخَرُونَ وَقَالُوا هِشَامٌ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ فَلَا وَجْهَ لِرَدِّهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَوْجِيهِهَا فَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْمُزَنِيَّ حَدَّثَهُ بِهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ بِلَفْظِ وَأَشْرِطِي بِهَمْزَةِ قَطْعٍ بِغَيْرِ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ ثُمَّ وَجَّهَهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَظْهَرِي لَهُمْ حُكْمَ الْوَلَاءِ وَالْإِشْرَاطُ الْإِظْهَارُ قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ فَأَشْرَطَ فِيهَا نَفْسَهُ وَهُوَ مِعْصَمٌ أَيْ أَظْهَرَ نَفْسَهُ انْتَهَى وَأَنْكَرَ غَيْرُهُ الرِّوَايَةَ وَالَّذِي فِي مُخْتَصَرِ الْمُزنِيّ وَالأُم وَغَيْرِهِمَا عَنِ الشَّافِعِيِّ كَرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ وَاشْتَرِطِي بِصِيغَةِ أَمْرِ الْمُؤَنَّثِ مِنَ الشَّرْطِ ثُمَّ حَكَى الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا تَأْوِيلَ الرِّوَايَةِ الَّتِي بِلَفْظِ اشْتَرِطِي وَأَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ اشْتَرِطِي لَهُمْ بِمَعْنَى عَلَيَّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْمُزَنِيِّ وَجَزَمَ بِهِ عَنْهُ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ عَنْ حَرْمَلَة عَنهُ وَحكى الْخطابِيّ عَن بن خُزَيْمَةَ أَنَّ قَوْلَ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ غَلَطٌ وَالتَّأْوِيلَ الْمَنْقُولَ عَنِ الْمُزَنِيِّ لَا يَصِحُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ تَأْوِيلُ اللَّامِ بِمَعْنَى عَلَى هُنَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْكَرَ الِاشْتِرَاطَ وَلَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى عَلَى لَمْ يُنْكِرْهُ فَإِنْ قِيلَ مَا أَنْكَرَ إِلَّا إِرَادَةَ الِاشْتِرَاطِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَالْجَوَابُ أَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يَأْبَى ذَلِكَ وَضَعفه أَيْضا بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَالَ اللَّامُ لَا تَدُلُّ بِوَضْعِهَا عَلَى الِاخْتِصَاصِ النَّافِعِ بَلْ عَلَى مُطْلَقِ الِاخْتِصَاصِ فَلَا بُدَّ فِي حَمْلِهَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَرِينَةٍ وَقَالَ آخَرُونَ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ اشْتَرِطِي لِلْإِبَاحَةِ وَهُوَ عَلَى جِهَةِ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَكَأَنَّهُ يَقُول اشترطي أَولا تَشْتَرِطِي فَذَلِكَ لَا يُفِيدُهُمْ وَيُقَوِّي هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَيْمَنَ الْآتِيَةِ آخِرَ أَبْوَابِ الْمُكَاتَبِ اشْتَرِيهَا وَدَعِيهِمْ يَشْتَرِطُونَ مَا شَاءُوا وَقِيلَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَائِعِ الْوَلَاءَ بَاطِلٌ وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ بَرِيرَةَ فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرِطُوا مَا تَقَدَّمَ لَهُمُ الْعِلْمُ بِبُطْلَانِهِ أَطْلَقَ الْأَمْرَ مُرِيدًا بِهِ التَّهْدِيدَ عَلَى مَآلِ الْحَالِ كَقَوْلِهِ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله وكقول مُوسَى ألقوا مَا أَنْتُم ملقون أَيْ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَافِعِكُمْ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ اشْتَرِطِي لَهُمْ فَسَيَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلَهُ حِينَ خَطَبَهُمْ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا إِلَخْ فَوَبَّخَهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ مُشِيرًا إِلَى أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ بَيَانُ حُكْمِ اللَّهِ بِإِبْطَالِهِ إِذْ لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ بَيَانُ ذَلِكَ لَبَدَأَ بِبَيَانِ الْحُكْمِ فِي الْخُطْبَةِ لَا بِتَوْبِيخِ الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَقِيلَ الْأَمْرُ فِيهِ بِمَعْنَى الْوَعِيدِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْأَمْرُ وَبَاطِنُهُ النَّهْيُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى اعْمَلُوا مَا شِئْتُم وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَمَّا كَانَ مَنِ اشْتَرَطَ خِلَافَ مَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَاصِيًا وَكَانَتْ فِي الْمَعَاصِي حُدُودٌ وَآدَابٌ وَكَانَ مِنْ أَدَبِ الْعَاصِينَ أَنْ يُعَطِّلَ عَلَيْهِمْ شُرُوطَهُمْ لِيَرْتَدِعُوا عَنْ ذَلِكَ وَيَرْتَدِعَ بِهِ غَيْرُهُمْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَيْسَرِ الْأَدَبِ وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَى اشْتَرِطِي اتْرُكِي مُخَالَفَتَهُمْ فِيمَا شَرَطُوهُ وَلَا تُظْهِرِي نِزَاعَهُمْ فِيمَا دَعَوْا إِلَيْهِ مُرَاعَاةً لِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ وَقَدْ يُعْبَّرُ عَنِ التَّرْكِ بِالْفِعْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ الا بِإِذن الله أَيْ نَتْرُكُهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِذْنِ إِبَاحَة الاضرار بِالسحرِ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا إِلَّا أَنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الْحَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى الْمَجَازِ مِنْ حَيْثُ السِّيَاقُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَقْوَى الْأَجْوِبَةِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِعَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَأَنَّ سَبَبَهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ لِمُخَالَفَتِهِ حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ كَفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ كَانَ خَاصًّا بِتِلْكَ الْحَجَّةِ مُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ إِذَا اسْتَلْزَمَ إِزَالَةَ أَشَدِّهِمَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ على مُخْتَلف فِيهِ وَتعقبه بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ

الصفحة 191