كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ على خلاف هَذِه الْمقَالة وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَلَاءِ وَالْعِتْقِ كَانَ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ سَابِقًا لِلْعَقْدِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ اشْتَرِطِي مُجَرَّدَ الْوَعْدِ وَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ شَخْصًا أَنْ يَعِدَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَفِي بذلك الْوَعْد وَأغْرب بن حَزْمٍ فَقَالَ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ فَوَقَعَ الْأَمْرُ بِاشْتِرَاطِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ جَائِزًا فِيهِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِخُطْبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِقَوْلِهِ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ مَا قَالَ وَسِيَاقُ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ تَدْفَعُ فِي وَجْهِ هَذَا الْجَوَابِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَاءَ لَمَّا كَانَ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ وَالْإِنْسَانَ إِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ ثَبَتَ لَهُ نَسَبُهُ وَلَا يَنْتَقِلُ نَسَبُهُ عَنْهُ وَلَوْ نُسِبَ إِلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ وَلَوْ أَرَادَ نَقْلَ وَلَائِهِ عَنْهُ أَوْ أَذِنَ فِي نَقْلِهِ عَنْهُ لَمْ يَنْتَقِلْ فَلَمْ يَعْبَأْ بِاشْتِرَاطِهِمُ الْوَلَاء وَقيل اشترطي ودعيهم يشترطون ماشاءوا أَو نَحْو ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الْعَقْدِ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ اللَّغْوِ مِنَ الْكَلَامِ وَأَخَّرَ إِعْلَامَهُمْ بِذَلِكَ لِيَكُونَ رَدُّهُ وَإِبْطَالُهُ قَوْلًا شَهِيرًا يُخْطَبُ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ ظَاهِرًا إِذْ هُوَ أَبْلَغُ فِي النَّكِيرِ وَأَوْكَدُ فِي التَّعْبِيرِ اه وَهُوَ يَئُولُ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ فَقَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ أَيْ بِالِاتِّبَاعِ مِنَ الشُّرُوطِ الْمُخَالِفَةِ لَهُ قَوْلُهُ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ أَيْ بِاتِّبَاعِ حُدُودِهِ الَّتِي حَدَّهَا وَلَيْسَتِ الْمُفَاعَلَةُ هُنَا عَلَى حَقِيقَتِهَا إِذْ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَقَدْ وَرَدَتْ صِيغَةُ أَفْعَلَ لِغَيْرِ التَّفْضِيلِ كَثِيرًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ وَرَدَ ذَلِكَ عَلَى مَا اعْتَقَدُوهُ مِنَ الْجَوَازِ قَوْلُهُ مَا بَالُ رِجَالٍ أَيْ مَا حَالُهُمْ قَوْلُهُ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ كَلِمَةَ إِنَّمَا لِلْحَصْرِ وَهُوَ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ لِلْمَذْكُورِ وَنَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا لَزِمَ مِنْ إِثْبَاتِ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ نَفْيُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَاسْتُدِلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ أَوْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُحَالَفَةٌ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَلَا لِلْمُلْتَقِطِ خِلَافًا لِإِسْحَاقَ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَسْطٍ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُسْتَفَادُ مِنْ مَنْطُوقِهِ إِثْبَاتُ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ سَابِيَهُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَصِيرُ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَدْخُلُ فِيمَنْ أَعْتَقَ عِتْقُ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ وَلِلْكَافِرِ وَبِالْعَكْسِ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتَقِ تَنْبِيهٌ زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ زَوْجِهَا وَكَانَ عَبْدًا وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ سَتَأْتِي فِي النِّكَاح من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي زَوْجِهَا هَلْ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَتَسْمِيَتِهِ وَمَا اتَّفَقَ لَهُ بَعْدَ فِرَاقِهَا وَفِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ هَذَا مِنَ الْفَوَائِدِ سِوَى مَا سَبَقَ وَسِوَى مَا سَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ جَوَازُ كِتَابَةِ الْأَمَةِ كَالْعَبْدِ وَجَوَازُ كِتَابَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنِ الزَّوْجُ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ كِتَابَتِهَا وَلَوْ كَانَتْ تُؤَدِّي إِلَى فِرَاقِهَا مِنْهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمُتَزَوِّجِ مَنْعُ السَّيِّدِ مِنْ عِتْقِ أَمَتِهِ الَّتِي تَحْتَهُ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى بُطْلَانِ نِكَاحِهَا وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ تَمْكِينِهَا مِنَ السَّعْيِ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا خِدْمَتُهُ وَفِيهِ جَوَازُ سَعْيِ الْمُكَاتَبَةِ وَسُؤَالِهَا وَاكْتِسَابِهَا وَتَمْكِينِ السَّيِّدِ لَهَا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ الْجَوَازِ إِذَا عُرِفَتْ جِهَةُ حِلِّ كَسْبِهَا وَفِيهِ الْبَيَانُ بِأَنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ عَنْ كَسْبِ الْأَمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ وَجْهَ كَسْبِهَا أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ وَفِيهِ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَسْأَلَ مِنْ حِينِ الْكِتَابَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ عَجْزُهُ خِلَافًا لِمَنْ شَرَطَهُ وَفِيهِ جَوَازُ السُّؤَالِ لِمَنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ غُرْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَعْجِيلِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الْمُسَاوَمَةِ فِي الْبَيْعِ وَتَشْدِيدِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ فِيهَا وَأَنَّ الْمَرْأَةَ الرَّشِيدَةَ تَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهَا فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً خِلَافًا لِمَنْ أَبَى ذَلِكَ وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدٌ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَأَنَّ مَنْ لَا يَتَصَرَّفُ بِنَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا

الصفحة 192