كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

مِنْهُ

[2583] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ فَإِنَّ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ طَيَّبْنَا لَكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي الْعِتْقِ فِي بَابِ مَنْ مَلَكَ مِنَ الْعَرَبِ رَقِيقًا بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ فَفِيهِ أَنَّهُمْ وَهَبُوا مَا غَنِمُوهُ مِنَ السَّبْيِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْسَمَ وَذَلِكَ فِي مَعْنَى الْغَائِبِ وَحَذَفَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ جَوَابَ الشَّرْطِ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ فَلْيَفْعَلْ وَقَدْ ثَبَتَ كَذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ قَالَ بن بَطَّالٍ فِيهِ أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَرْفَعَ أَمْلَاكَ قَوْمٍ إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ وَاسْتِئْلَافٌ وَتعقبه بن الْمُنِيرِ وَقَالَ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ تَطْيِيبِ نُفُوسِ المالكين قَوْلُهُ بَابُ الْمُكَافَأَةِ فِي الْهِبَةِ الْمُكَافَأَةُ بِالْهَمْزِ مُفَاعَلَةٌ بِمَعْنَى الْمُقَابَلَةِ وَالْمُرَادُ بِالْهِبَةِ هُنَا الْمَعْنَى الْأَعَمُّ كَمَا قَرَّرْتُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ

[2585] قَوْلُهُ عَنْ هِشَامٍ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى الْفَرَّاءِ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَوْلُهُ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا أَيْ يُعْطِي الَّذِي يُهْدِي لَهُ بَدَلَهَا وَالْمُرَادُ بِالثَّوَابِ الْمُجَازَاةُ وَأَقَلُّهُ مَا يُسَاوِي قِيمَةَ الْهَدِيَّةِ قَوْلُهُ لَمْ يَذْكُرْ وَكِيعٌ وَمُحَاضِرٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عِيسَى بْنَ يُونُسَ تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ عَنْ هِشَامٍ وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ لَا نَعْرِفُهُ مَوْصُولًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ وَقَالَ الْآَجُرِّيُّ سَأَلْتُ أَبَا دَاوُدَ عَنْهُ فَقَالَ تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَهُوَ عِنْدَ النَّاسِ مُرْسَلٌ وَرِوَايَةُ وَكِيعٍ وَصَلَهَا بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ وَيُثِيبُ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا وَرِوَايَةُ مُحَاضِرٍ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا بَعْدُ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الثَّوَابِ عَلَى الْهَدِيَّةِ إِذَا أَطْلَقَ الْوَاهِبُ وَكَانَ مِمَّنْ يَطْلُبُ مِثْلُهُ الثَّوَابَ كَالْفَقِيرِ لِلْغَنِيِّ بِخِلَافِ مَا يَهَبُهُ الْأَعْلَى لِلْأَدْنَى وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ مُوَاظَبَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي أَهْدَى قَصَدَ أَنْ يُعْطَى أَكْثَرَ مِمَّا أَهْدَى فَلَا أَقَلَّ أَنْ يُعَوَّضَ بِنَظِيرِ هَدِيَّتِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ كَالْحَنَفِيَّةِ الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ بَاطِلَةٌ لَا تَنْعَقِدُ لِأَنَّهَا بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَلِأَنَّ مَوْضُوعَ الْهِبَةِ التَّبَرُّعُ فَلَوْ أَبْطَلْنَاهُ لَكَانَ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَقَدْ فَرَّقَ الشَّرْعُ وَالْعُرْفُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَمَا اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْهِبَةَ لَوْ لَمْ تَقْتَضِ الثَّوَابَ أَصْلًا لَكَانَتْ بِمَعْنَى الصَّدَقَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ حَالِ الَّذِي يُهْدِي أَنَّهُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فَقِيرًا وَاللَّهُ أعلم

الصفحة 210