كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

أَهْدَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةً فَقَالَ أَسْلَمْتَ قُلْتُ لَا قَالَ إِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ وَالزَّبْدُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمُوَحدَة الرفد صَححهُ التِّرْمِذِيّ وبن خُزَيْمَةَ وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ عِدَّةَ أَحَادِيثَ دَالَّةٍ عَلَى الْجَوَازِ فَجَمَعَ بَيْنَهَا الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِيمَا أُهْدِيَ لَهُ خَاصَّةً وَالْقَبُولَ فِيمَا أُهْدِيَ لِلْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّةِ الْجَوَازِ مَا وَقَعَتِ الْهَدِيَّةُ فِيهِ لَهُ خَاصَّةً وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ مَنْ يُرِيدُ بِهَدِيَّتِهِ التَّوَدُّدَ وَالْمُوَالَاةَ وَالْقَبُولَ فِي حَقِّ مَنْ يُرْجَى بِذَلِكَ تَأْنِيسُهُ وَتَأْلِيفُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهَذَا أَقْوَى مِنَ الْأَوَّلِ وَقِيلَ يُحْمَلُ الْقَبُولُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَقِيلَ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى نَسْخَ الْمَنْعِ بِأَحَادِيثِ الْقَبُولِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ الثَّلَاثَةُ ضَعِيفَةٌ فَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَلَا التَّخْصِيصِ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِسَارَةَ الْحَدِيثَ أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَسَيَأْتِي مَوْصُولًا مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ ظَاهِرٌ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا لَمْ يَرِدْ مِنْ شَرْعِنَا إِنْكَارُهُ قَوْلُهُ وَأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ ذَكَرَهُ مَوْصُولًا فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَلَدٌ مَعْرُوفٌ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ فِي طَرِيقِ الْمِصْرِيِّينَ إِلَى مَكَّةَ وَهِيَ الْآنَ خَرَابٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا فِي الزَّكَاةِ وَقَوْلُهُ وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِبَحْرِهِمْ أَيْ بِبَلَدِهِمْ وَحَمَلَهُ الدَّاوُدِيُّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَوَهَمَ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا حَدِيثُ أنس فِي جُبَّة السندس وَسَيَأْتِي شرحها فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

[2615] قَوْلُهُ أُهْدِيَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ قَوْلُهُ وَكَانَ يَنْهَى أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَرِيرِ وَهِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ قَوْله وَقَالَ سعيد هُوَ بن أَبِي عَرُوبَةَ إِلَخْ وَصَلَهُ أَحْمَدُ عَنْ رَوْحٍ عَن سعيد وَهُوَ بن أَبِي عَرُوبَةَ بِهِ وَقَالَ فِيهِ جُبَّةُ سُنْدُسٍ أَوْ دِيبَاجٍ شَكَّ سَعِيدٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا فِيهِ مِنَ التَّخَالُفِ مَعَ بَقِيَّةِ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ بَيَانَ الَّذِي أَهْدَى لِتَظْهَرَ مُطَابَقَتُهُ للتَّرْجَمَة وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ عَنْ قَتَادَةَ فَقَالَ فِيهِ إِنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَأُكَيْدِرُ دُومَةَ هُوَ أُكَيْدِرٌ تَصْغِيرُ أَكْدَرَ وَدُومَةَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَلَدٌ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَهِيَ دُومَةُ الْجَنْدَلِ مَدِينَةٌ بِقُرْبِ تَبُوكَ بِهَا نَخْلٌ وَزَرْعٌ وَحِصْنٌ عَلَى عَشْرِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَثَمَانٍ مِنْ دِمَشْقَ وَكَانَ أُكَيْدِرُ مَلِكَهَا وَهُوَ أُكَيْدِرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْجِنِّ بِالْجِيمِ وَالنُّونِ بْنِ أَعْبَاءَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ يُنْسَبُ إِلَى كِنْدَةَ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا وَكَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي سَرِيَّةٍ فَأَسَرَهُ وَقَتَلَ أَخَاهُ حَسَّانَ وَقَدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ فَصَالَحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِزْيَةِ وَأَطْلَقَهُ ذكر بن إِسْحَاقَ قِصَّتَهُ مُطَوَّلَةً فِي الْمَغَازِي وَرَوَى أَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ أَخْرَجَ قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ مَنْسُوجًا بِالذَّهَبِ فَرَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ إِنَّهُ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ رَدِّ هَدِيَّتِهِ فَرَجَعَ بِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْفَعْهُ إِلَى عُمَرَ الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَ حَرِيرٍ فَأَعْطَاهُ عَلِيًّا فَقَالَ شَقِّقْهُ خُمُرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْحُلَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عَلِيٌّ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ هِيَ هَذِهِ الَّتِي أَهْدَاهَا أُكَيْدِرٌ وَسَيَأْتِي الْمُرَادُ بِالْفَوَاطِمِ فِي اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثَانِيهَا حَدِيثُ أَنَسٍ أَيْضًا أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَازِي وَاسْمُ الْيَهُودِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ زَيْنَبُ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِسْلَامِهَا كَمَا سَيَأْتِي

[2617] قَوْلُهُ فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا زَادَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ مِنَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ هُنَا فَأَكَلَ مِنْهُ فَقَالَ إِنَّهَا جَعَلَتْ فِيهِ سُمًّا وَزَادَ مُسْلِمٌ بَعْدَ قَوْلِهِ فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ قَالَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَيَّ قَوْلُهُ فَقِيلَ أَلَا نَقْتُلُهَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْلُهُ فِي لَهَوَاتٍ بِفَتْحِ اللَّامِ جَمْعُ لَهَاةٍ وَهِيَ سَقْفُ الْفَمِ أَوِ اللَّحْمَةُ الْمُشْرِفَةُ عَلَى الْحَلْقِ وَقِيلَ هِيَ أَقْصَى الْحَلْقِ وَقِيلَ مَا يَبْدُو مِنَ الْفَمِ عِنْدَ التَّبَسُّمِ ثَالِثُهَا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي الْبيُوع

الصفحة 231