كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

(قَوْلُهُ بَابُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَصَدَقَتِهِ)
كَذَا بَتَّ الْحَكَمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ عِنْدَهُ فِيهَا وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ أَنَّهُ أَشَارَ فِي التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّ لِلْوَالِدِ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِلْوَلَدِ فَيُمْكِنُ أَنَّهُ يَرَى صِحَّةَ الرُّجُوعِ لَهُ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى تَفَاصِيلِ مَذَاهِبِهِمْ فِي بَابِ الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ وَلَا فَرْقَ فِي الحكم بَين الْهَدِيَّة وَالْهِبَةِ وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَاب حديثين أَحدهمَا حَدِيث بن عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقَيْنِ إِحْدَاهُمَا

[2621] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ وَشُعْبَةُ كَذَا أَخْرَجَهُ وَتَابَعَهُ أَبُو قِلَابَةَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَأَبُو خَلِيفَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسْلِمٍ الْمَذْكُور فَقَالَ حَدثنَا شُعْبَة وَأَبَان وَهَمَّام وَتَابعه إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِيَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فَكَأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ جَمَاعَةٍ قَوْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ شَهْرٍ عَنْ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سمع بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَج عَن سعيد بن الْمسيب سَمِعت بن عَبَّاسٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي آخِرِهِ قَالَ هَمَّامٌ قَالَ قَتَادَةُ وَلَا أَعْلَمُ الْقَيْءَ إِلَّا حَرَامًا الْطَرِيقُ الثَّانِيةُ

[2622] قَوْلُهُ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ هُوَ الْعَيْشِيُّ بِتَحْتَانِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ بَصْرِيٌّ يُكَنَّى أَبَا بَكْرٍ وَلَيْسَ أَخًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمَشْهُورِ والإسناد كُله بصريون الا بن عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَقَدْ سَكَنَاهَا مُدَّةً قَوْلُهُ لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ أَيْ لَا يَنْبَغِي لَنَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ نَتَّصِفَ بِصِفَةٍ ذَمِيمَةٍ يُشَابِهُنَا فِيهَا أَخَسُّ الْحَيَوَانَاتِ فِي أَخَسِّ أَحْوَالِهَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مثل السوء وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى وَلَعَلَّ هَذَا أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ وَأَدَلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ مِمَّا لَوْ قَالَ مَثَلًا لَا تَعُودُوا فِي الْهِبَةِ وَإِلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ أَنْ تُقْبَضَ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَّا هِبَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ جَمْعًا بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ النُّعْمَانِ الْمَاضِي وَقَالَ الطَّحَاوِيّ قَوْله لَا يَحِلُّ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّحْرِيمَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ حَيْثُ تَحِلُّ لِغَيْرِهِ مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ التَّغْلِيظَ فِي الْكَرَاهَةِ قَالَ وَقَوْلُهُ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ وَإِنِ اقْتَضَى التَّحْرِيمَ لِكَوْنِ الْقَيْءِ حَرَامًا لَكِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ كَالْكَلْبِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّ الْكَلْبَ غَيْرُ مُتَعَبِّدٍ فَالْقَيْءُ لَيْسَ حَرَامًا عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ التَّنْزِيهُ عَنْ فِعْلٍ يُشْبِهُ فِعْلَ الْكَلْبِ وَتُعُقِّبُ بِاسْتِبْعَادِ مَا تَأَوَّلَهُ وَمُنَافَرَةِ سِيَاقِ الْأَحَادِيثِ لَهُ وَبِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ فِي مثل هَذِه الْأَشْيَاء يُرِيد بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي الزَّجْرِ

الصفحة 235