كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)
(قَوْلُهُ بَابُ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ جَوْرٍ إِذَا أُشْهِدَ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فِي قِصَّةِ هِبَةِ أَبِيهِ لَهُ وَفِيهِ
[2650] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي الْهِبَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا بِلَفْظِ فَقَالَ لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ وَقَوْلُهُ فِي التَّرْجَمَةِ إِذَا أُشْهِدَ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ إِذَا لَمْ يُسْتَشْهَدْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَقَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ زَايٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ أَيْ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَنْ وَصَلَهُ وَإِلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي حَرِيزٍ وَغَيْرِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْآخَرِ وَوَرَدَ الْحَدِيثُ عَنْ آخَرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ سَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالزَّوَائِدِ مَشْرُوحَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْغَرَضُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّهَادَاتِ
[2651] قَوْلُهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ بَقِيَّةُ حَدِيثِ عِمْرَانَ وَسَيَأْتِي فِي الْفَضَائِلِ مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلُهُ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وبن شَبَّوَيْهِ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمٌ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَعَلَّهُ كُتِبَ بِغَيْرِ أَلِفٍ عَلَى اللُّغَةِ الرَّبِيعِيَّةِ أَوْ حُذِفَ مِنْهُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ قَوْلُهُ يَخُونُونَ كَذَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اتَّصَلَتْ لَنَا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْوَاو مُشْتَقّ من الْخِيَانَة وَزعم بن حَزْمٍ أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ يَحْرِبُونَ بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ قَالَ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ من قَوْلهم حر بِهِ يحر بِهِ إِذَا أَخَذَ مَالَهُ وَتَرَكَهُ بِلَا شَيْءٍ وَرَجُلٌ مَحْرُوبٌ أَيْ مَسْلُوبُ الْمَالِ تَنْبِيهٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَلَا يُتَّمَنُونَ بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ قَالَ غَيْرُهُ هُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ ثُمَّ يَتَّزِرُ مَوْضِعَ قَوْلِهِ يَأْتَزِرُ وَادَّعَى أَنَّهُ شَاذ وَلَكِن قد قَرَأَ بن مُحَيْصِن فليؤد الَّذِي اتمن امانته وَوَجهه بن مَالِكٍ بِأَنَّهُ شِبْهٌ بِمَا فَاؤُهُ وَاوٌ أَوْ تَحْتَانِيَّةٌ قَالَ وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ قَوْلُهُ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ أَيْ لَا يَثِقُ النَّاسُ بِهِمْ وَلَا يَعْتَقِدُونَهُمْ أُمَنَاءَ بِأَنْ تَكُونَ خِيَانَتُهُمْ ظَاهِرَةً بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِلنَّاسِ اعْتِمَادٌ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّحَمُّلَ بِدُونِ التَّحْمِيلِ أَوِ الْأَدَاءَ بِدُونِ طَلَبٍ وَالثَّانِي أَقْرَبُ وَيُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ مَرْفُوعًا أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يسْأَلهَا وَاخْتلف الْعلمَاء فِي ترجيحهما فجنح بن عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى تَرْجِيحِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ لِكَوْنِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَدَّمَهُ عَلَى رِوَايَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَالَغَ فَزَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ عِمْرَانَ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ وَجَنَحَ غَيْرُهُ إِلَى تَرْجِيحِ حَدِيثِ عِمْرَانَ لِاتِّفَاقِ صَاحِبَيِ الصَّحِيحِ عَلَيْهِ وَانْفِرَادِ مُسْلِمٍ بِإِخْرَاجِ حَدِيثِ زَيْدِ بن خَالِد
الصفحة 259
423