كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

عَدُوًّا لَهُمْ فَقَتَلَهُمْ فَقِيلَ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ فِي أَمْرٍ لَا يَعْرِفُ عَاقِبَتَهُ وَقَالَ بن الْكَلْبِيِّ الْغُوَيْرُ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ فِيهِ مَاءٌ لِبَنِي كَلْبٍ كَانَ فِيهِ نَاسٌ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ وَكَانَ من يمر يتواصون بالحراسة وَقَالَ بن الْأَعْرَابِيِّ ضَرَبَ عُمَرُ هَذَا الْمَثَلَ لِلرَّجُلِ يُعَرِّضُ بِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ وَلَدَهُ وَهُوَ يُرِيدُ نَفْيَهُ عَنْهُ بِدَعْوَاهُ أَنَّهُ الْتَقَطَهُ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ كَأَنَّهُ يَتَّهِمُنِي وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ الزَّبَّاءُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَدِّ لَمَّا قَتَلَتْ جُذَيْمَةَ الْأَبْرَشَ وَأَرَادَ قَصِيرٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهَا فَتَوَاطَأَ قَصِيرٌ وَعَمْرو بن أُخْتِ جُذَيْمَةَ عَلَى أَنْ قَطَعَ عَمْرٌو أَنْفَ قَصِيرٍ فَأَظْهَرَ أَنَّهُ هَرَبَ مِنْهُ إِلَى الزَّبَّاءِ فَأَمِنَتْ إِلَيْهِ ثُمَّ أَرْسَلَتْهُ تَاجِرًا فَرَجَعَ إِلَيْهَا بِرِبْحٍ كَثِيرٍ مِرَارًا ثُمَّ رَجَعَ الْمَرَّةَ الْأَخِيرَةَ وَمَعَهُ الرِّجَالُ فِي الْأَعْدَالِ مَعَهُمُ السِّلَاحُ فَنَظَرَتْ إِلَى الْجَمَالِ تَمْشِي رُوَيْدًا لِثِقَلِ مَنْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا أَيْ لَعَلَّ الشَّرَّ يَأْتِيكُمْ مِنْ قِبَلِ الْغُوَيْرِ وَكَأَنَّ قَصِيرًا أَعْلَمَهَا أَنَّهُ سَلَكَ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ طَرِيقَ الْغُوَيْرِ فَلَمَّا دَخَلَتِ الْأَحْمَالُ قَصْرَهَا خَرَجَتِ الرِّجَالُ مِنَ الْأَعْدَالِ فَهَلَكَتْ قَوْلُهُ كَأَنَّهُ يَتَّهِمُنِي أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ لَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْيَ نَسَبِهِ عَنْهُ لِمَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي وَأَرَادَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَتَوَلَّى هُوَ تَرْبِيَتَهُ وَقِيلَ اتَّهَمَهُ بِأَنَّهُ زَنَى بِأُمِّهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ وَهُوَ بَعِيدٌ وَمَا تَقَدَّمَ أَوْلَى وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مَوْصُولَةً مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَأَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَأَخَذَهُ قَالَ فَذَكَرَ ذَلِكَ عَرِيفِي لِعُمَرَ فَلَمَّا رَآنِي عُمَرُ قَالَ فَذَكَرَهُ وَزَادَ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ قُلْتُ وَجَدْتُهَا ضَائِعَةً وَقد أخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ هَذِه الزِّيَادَة عَنِ الزُّهْرِيِّ أَيْضًا وَصَدْرُ هَذَا الْخَبَرِ سَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَبَا جَمِيلَةَ هَذَا هُوَ الطُّهَوِيُّ لِأَنَّ الطُّهَوِيَّ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عمر وَأورد بن الْأَثِيرِ عَنِ الْبُخَارِيِّ مَا ذَكَرْتُهُ عَنْهُ وَزَادَ فِيهِ وَأَنَّهُ الْتَقَطَ مَنْبُوذًا فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ النُّسَخِ قَوْلُهُ فَقَالَ لَهُ عَرِيفِي إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا الْعَرِيفِ إِلَّا أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ ذَكَرَ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ اسْمَهُ سِنَانٌ وَفِي الصَّحَابَةِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ سِنَانٌ الضَّمْرِيُّ اسْتَخْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مَرَّةً عَلَى الْمَدِينَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ ذَا فَقَدْ قِيلَ إِنَّ أَبَا جَمِيلَةَ ضَمْرِيٌّ وَاللَّهُ أعلم قَالَ بن بَطَّالٍ كَانَ عُمَرُ قَسَّمَ النَّاسَ وَجَعَلَ عَلَى كل قَبيلَة عريفا ينطر عَلَيْهِمْ قُلْتُ فَإِنْ كَانَ أَبُو جَمِيلَةَ سُلَمِيًّا فَيُنْظَرُ مَنْ كَانَ عَرِيفَ بَنِي سُلَيْمٍ فِي عَهْدِ عُمَرَ قَوْلُهُ قَالَ كَذَاكَ زَادَ مَالِكٌ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ نَعَمْ قَوْلُهُ اذْهَبْ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فَقَالَ عُمَرُ اذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَلَكَ وَلَاؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ قَالَ بن بَطَّالٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا سَأَلَ فِي مَجْلِسِ نَظَرِهِ عَنْ أَحَدٍ فَإِنَّهُ يَجْتَزِئُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ كَمَا صَنَعَ عُمَرُ فَأَمَّا إِذَا كَلَّفَ الْمَشْهُودَ لَهُ أَنْ يُعَدِّلَ شُهُودَهُ فَلَا يَقْبَلُ أَقَلَّ مِنِ اثْنَيْنِ قُلْتُ غَايَتُهُ أَنَّهُ حَمَلَ الْقِصَّةَ عَلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهَا وَقِصَّةُ التَّكْلِيفِ تَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ وَفِيهَا جَوَازُ الِالْتِقَاطِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ وَأَنَّ نَفَقَتَهُ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِمُلْتَقِطِهِ وَذَلِكَ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ وَجَّهَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى قَوْلِهِ لَكَ وَلَاؤُهُ بِكَوْنِهِ حِينَ الْتَقَطَهُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ مِنَ الْمَوْتِ أَوْ أَعْتَقَهُ مِنْ أَنْ يَلْتَقِطَهُ غَيْرُهُ وَيَدَّعِيَ أَنَّهُ مِلْكُهُ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي الْمَطَالِعِ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا اتَّهَمَ أَبَا جَمِيلَةَ شَهِدَ لَهُ جَمَاعَةٌ بِالسَّتْرِ اه وَلَيْسَ فِي قِصَّتِهِ أَنَّ الَّذِي شَهِدَ لَيْسَ إِلَّا عَرِيفَهُ وَحْدَهُ وَفِيهِ تَثَبُّتُ عُمَرَ فِي الْأَحْكَامِ وَأَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا تَوَقَّفَ فِي أَمْرِ أَحَدٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَادِحًا فِيهِ وَرُجُوعُ الْحَاكِمِ إِلَى قَوْلِ أُمَنَائِهِ وَفِيهِ أَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَا يُكْرَهُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الْإِطْنَابُ فِي ذَلِكَ وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ عَقِبَ هَذَا بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الَّذِي

الصفحة 275