كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)
[4] بن عَبَّاسٍ فَكَتَبَ إِلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِسْنَادُهَا حَسَنٌ وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِكْمَةَ فِي كَوْنِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ جَانِبَ الْمُدَّعِي ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يَقُولُ خِلَافَ الظَّاهِرِ فَكُلِّفَ الْحُجَّةَ الْقَوِيَّةَ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا لَا تَجْلِبُ لِنَفْسِهَا نَفْعًا وَلَا تَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَرًا فَيَقْوَى بِهَا ضَعْفُ الْمُدَّعِي وَجَانِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَوِيٌّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فَرَاغُ ذِمَّتِهِ فَاكْتُفِيَ مِنْهُ بِالْيَمِينِ وَهِيَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ الْحَالِفَ يَجْلِبُ لِنَفْسِهِ النَّفْعَ وَيَدْفَعُ الضَّرَرَ فَكَانَ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْحِكْمَةِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ تَعْرِيفَانِ الْأَوَّلُ الْمُدَّعِي مَنْ يُخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ وَالثَّانِي مَنْ إِذَا سَكَتَ تُرِكَ وَسُكُوتَهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ لَا يُخَلَّى إِذَا سَكَتَ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَالثَّانِي أَسْلَمُ وَقَدْ أُوْرِدَ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُودَعَ إِذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوِ التَّلَفَ فَإِنَّ دَعْوَاهُ تُخَالِفُ الظَّاهِرَ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ
[2668] قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي تَعْرِيفِهِمَا غَيْرُ ذَلِكَ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْجُمْهُورِ بِحَمْلِهِ عَلَى عُمُومِهِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ اخْتِلَاطٌ أَمْ لَا وَعَنْ مَالِكٍ لَا تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ إِلَّا عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي اخْتِلَاطٌ لِئَلَّا يَبْتَذِلَ أَهْلُ السَّفَهِ أَهْلَ الْفَضْلِ بِتَحْلِيفِهِمْ مِرَارًا وَقَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِنَّ قَرَائِنَ الْحَالِ إِذَا شَهِدَتْ بِكَذِبِ الْمُدَّعِي لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى دَعْوَاهُ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ نَاسٍ وَأَمْوَالَهُمْ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ فِي التَّدْمِيَةِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ تَسْوِيَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُسْنِدُوا الْقِصَاصَ مَثَلًا إِلَى قَوْلِ الْمُدَّعِي بَلْ لِلْقَسَامَةِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ ذَلِكَ لَوْثًا يُقَوِّي جَانِبَ الْمُدَّعِي فِي بُدَاءَتِهِ بِالْأَيْمَانِ الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ حَدِيثُ الْأَشْعَثِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي سَبَبِ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ الْآيَةَ وَقَدْ مَضَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ قَبْلُ بِبَابٍ وَالْمُرَادُ مِنْهُ
[2669] قَوْلُهُ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ وَقَدْ رَوَى نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ وَزَادَ فِيهَا لَيْسَ لَكَ إِلَّا ذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَصْرِ عَلَى رَدِّ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدَاكَ أَيْ بَيِّنَتُكَ سَوَاءٌ كَانَتْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَيَمِينَ الطَّالِبِ وَإِنَّمَا خَصَّ الشَّاهِدَيْنِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ الْأَغْلَبُ فَالْمَعْنَى شَاهِدَاكَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا وَلَوْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ رَدُّ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُذْكَرْ لَلَزِمَ رَدُّ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُذْكَرْ فَوَضَحَ التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ وَالْمُلْجِئُ إِلَيْهِ ثُبُوتُ الْخَبَرِ بِاعْتِبَارِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِ الشَّاهِدَيْنِ غَيْرُ مُرَادٍ بَلِ الْمُرَادُ هُوَ أَوْ مَا يقوم مقَامه
الصفحة 283
423