كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بن بَطَّالٍ نُزُولَ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَإِنْ طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ لِأَنَّ الْمُخَاصَمَةَ وَقَعَتْ بَيْنَ مَنْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَبَيْنَ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ كُفَّارًا فَكَيْفَ ينزل فيهم طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتْ قِصَّةُ أَنَسٍ وَأُسَامَةَ مُتَّحِدَةً فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ أُسَامَةَ فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ قُلْتُ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّغْلِيبِ مَعَ أَنَّ فِيهَا إِشْكَالًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ حَدِيثَ أُسَامَةَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَقَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَأَصْحَابُهُ وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحُجُرَاتِ وَنُزُولُهَا مُتَأَخِّرٌ جِدًّا وَقْتَ مَجِيءِ الْوُفُودِ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ آيَةُ الْإِصْلَاحِ نَزَلَتْ قَدِيمًا فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ تَنْبِيهٌ الْقِصَّةُ الَّتِي فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مُغَايِرَةٌ لِلْقِصَّةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ قِصَّةَ سَهْلٍ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُمْ مِنَ الْأَوْسِ وَكَانَتْ مَنَازِلُهُمْ بِقُبَاءٍ وَقِصَّةُ أَنَسٍ فِي رَهْطِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَهُمْ مِنَ الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ مَنَازِلُهُمْ بِالْعَالِيَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى سَبَبِ الْمُخَاصَمَةِ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنَ الصَّفْحِ وَالْحِلْمِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى فِي اللَّهِ وَالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ وَتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ رُكُوبَ الْحِمَارِ لَا نَقْصَ فِيهِ عَلَى الْكِبَارِ وَفِيهِ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنْ تَعْظِيمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَدَبِ مَعَهُ وَالْمَحَبَّةِ الشَّدِيدَةِ وَأَنَّ الَّذِي يُشِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ بِشَيْءٍ يُورِدُهُ بِصُورَةِ الْعَرْضِ عَلَيْهِ لَا الْجَزْمِ وَفِيهِ جَوَازُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَدْحِ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ أَطْلَقَ أَنَّ رِيحَ الْحِمَارِ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ

(قَوْلُهُ بَابُ لَيْسَ الْكَاذِبُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ)
تَرْجَمَ بِلَفْظِ الْكَاذِبُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ الْكَذَّابِ وَاللَّفْظُ الَّذِي تَرْجَمَ بِهِ لَفْظُ مَعْمَرٍ عَن بن شِهَابٍ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَانَ حَقُّ السِّيَاقِ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ مَنْ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ كَاذِبًا لَكِنَّهُ وَرَدَ عَلَى طَرِيقِ الْقَلْبِ وَهُوَ سَائِغ

[2692] قَوْله عَن صَالح هُوَ بن كَيْسَانَ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ وَأُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ أَي بن أَبِي مُعَيْطٍ الْأُمَوِيَّةُ قَوْلُهُ فَيَنْمِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ يُبَلِّغُ تَقُولُ نَمَيْتُ الْحَدِيثَ أَنْمِيهِ إِذَا بَلَّغْتُهُ عَلَى وَجْهِ الْإِصْلَاحِ وَطَلَبِ الْخَيْرِ فَإِذَا بَلَّغْتَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ وَالنَّمِيمَةِ قُلْتَ نَمَّيْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَادَّعَى الْحَرْبِيُّ أَنَّهُ لَا يُقَالُ إِلَّا نَمَّيْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ قَالَ وَلَوْ كَانَ يَنْمِي بِالتَّخْفِيفِ لَلَزِمَ أَنْ يَقُول خير بِالرَّفْع وَتعقبه بن الْأَثِيرِ بِأَنَّ خَيْرًا انْتَصَبَ بِيَنَمِي كَمَا يَنْتَصِبُ بِقَالَ وَهُوَ وَاضِحٌ جِدًّا يُسْتَغْرَبُ مِنْ خَفَاءِ مِثْلِهِ عَلَى الْحَرْبِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ ينمي بِضَم أَوله وَحكى بن قرقول عَن رِوَايَة بن الدَّبَّاغِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِالْهَاءِ بَدَلَ الْمِيمِ قَالَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَعْنَى يُوصِلُ تَقُولُ أَنْهَيْتُ إِلَيْهِ كَذَا إِذَا أَوْصَلْتَهُ قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ خَيْرًا هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا عَلِمَهُ مِنَ الْخَيْرِ

الصفحة 299