كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)
وَيَسْكُتُ عَمَّا عَلِمَهُ مِنَ الشَّرِّ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ كَذِبًا لِأَنَّ الْكَذِبَ الْإِخْبَارُ بِالشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ وَهَذَا سَاكِتٌ وَلَا يُنْسَبُ لِسَاكِتٍ قَوْلٌ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ قَالَ يُشْتَرَطُ فِي الْكَذِبِ الْقَصْدُ إِلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا سَاكِتٌ وَمَا زَادَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ فِي آخِرِهِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إِنَّهُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ فَذَكَرَهَا وَهِيَ الْحَرْبُ وَحَدِيثُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ وَأَوْرَدَ النَّسَائِيُّ أَيْضًا هَذِه الزِّيَادَة من طَرِيق الزبيدِيّ عَن بن شِهَابٍ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُدْرَجَةٌ بَيَّنَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَذَا أَخْرَجَهَا النَّسَائِيّ مُفْرَدَةً مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ وَقَالَ يُونُسُ أَثْبَتُ فِي الزُّهْرِيِّ مِنْ غَيْرِهِ وَجَزَمَ مُوسَى بْنُ هَارُون وَغَيره بادراجها ورويناه فِي فَوَائِد بن أَبِي مَيْسَرَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ رفيع عَن بن شِهَابٍ فَسَاقَهُ بِسَنَدِهِ مُقْتَصِرًا عَلَى الزِّيَادَةِ وَهُوَ وَهَمٌ شَدِيدٌ قَالَ الطَّبَرِيُّ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى جَوَازِ الْكَذِبِ لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ وَقَالُوا إِنَّ الثَّلَاثَ الْمَذْكُورَةَ كَالْمِثَالِ وَقَالُوا الْكَذِبُ الْمَذْمُومُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ أَوْ مَا لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ الْكَذِبُ فِي شَيْءٍ مُطْلَقًا وَحَمَلُوا الْكَذِبَ الْمُرَادَ هُنَا عَلَى التَّوْرِيَةِ وَالتَّعْرِيضِ كَمَنْ يَقُولُ لِلظَّالِمِ دَعَوْتُ لَكَ أَمْسِ وَهُوَ يُرِيدُ قَوْلَهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَعِدُ امْرَأَتَهُ بِعَطِيَّةِ شَيْءٍ وَيُرِيدُ إِنْ قَدَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ وَأَنْ يُظْهِرَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً قُلْتُ وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْمُهَلَّبُ وَالْأَصِيلِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ مَزِيدٌ لِهَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَذِبِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يُسْقِطُ حَقًّا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا أَوْ أَخْذُ مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ لَهَا وَكَذَا فِي الْحَرْبِ فِي غَيْرِ التَّأْمِينِ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْكَذِبِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ كَمَا لَوْ قَصَدَ ظَالِمٌ قَتْلَ رَجُلٍ وَهُوَ مُخْتَفٍ عِنْدَهُ فَلَهُ أَنْ يَنْفِيَ كَوْنَهُ عِنْدَهُ وَيَحْلِفَ على ذَلِك وَلَا يَأْثَم وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ الْإِمَامِ لِأَصْحَابِهِ اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ)
ذَكَرَ فِيهِ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْمَاضِي فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصُّلْحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ وَقَوْلُهُ
[2693] فِي أَوَّلِ الْإِسْنَادِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَأَبِي أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيِّ بِإِسْقَاطِهِ فَصَارَ الْحَدِيثُ عِنْدَهُمَا عَنِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِسْحَاقَ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيُّ مِنْ مَشَايِخِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ الَّذِي أَخْرَجَ عَنْهُ الْحَدِيثَ الَّذِي فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَرَوَى عَنْهُ هَذَا بِوَاسِطَةٍ وَكَذَلِكَ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ حَدَّثَ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَمُحَمَّدُ بن جَعْفَر شيخهما هُوَ بن أَبِي كَثِيرٍ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورُ فَجَزَمَ الْحَاكِمُ بِأَنَّهُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ فَارِسٍ الذُّهْلِيُّ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ وَالله أعلم
الصفحة 300