كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَنَى بِحِفْظِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ فِي إِبْطَالِ الْمُنْكَرَاتِ وَإِشَاعَةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ كَذَلِكَ وَقَالَ الطَّرْقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ يَصْلُحُ أَنْ يُسَمَّى نِصْفَ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ لِأَنَّ الدَّلِيلَ يَتَرَكَّبُ مِنْ مُقَدِّمَتَيْنِ وَالْمَطْلُوبُ بِالدَّلِيلِ إِمَّا إِثْبَاتُ الْحُكْمِ أَوْ نَفْيُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُقَدِّمَةٌ كُبْرَى فِي إِثْبَاتِ كُلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَنَفْيِهِ لِأَنَّ مَنْطُوقَهُ مُقَدِّمَةٌ كُلِّيَّةٌ فِي كُلِّ دَلِيلٍ نَافٍ لِحُكْمٍ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ فِي الْوُضُوءِ بِمَاءٍ نَجِسٍ هَذَا لَيْسَ مِنْ أَمْرِ الشَّرْعِ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَرْدُودٌ فَهَذَا الْعَمَلُ مَرْدُودٌ فَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ ثَابِتَةٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا يَقَعُ النِّزَاعُ فِي الْأُولَى وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا عَلَيْهِ أَمْرُ الشَّرْعِ فَهُوَ صَحِيحٌ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ فِي الْوُضُوءِ بِالنِّيَّةِ هَذَا عَلَيْهِ أَمْرُ الشَّرْعِ وَكُلُّ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَمْرُ الشَّرْعِ فَهُوَ صَحِيحٌ فَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ ثَابِتَةٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْأُوْلَى فِيهَا النِّزَاعُ فَلَوِ اتَّفَقَ أَنْ يُوجَدَ حَدِيثٌ يَكُونُ مُقَدِّمَةً أُولَى فِي إِثْبَاتِ كُلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَنَفْيِهِ لَاسْتَقَلَّ الْحَدِيثَانِ بِجَمِيعِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ لَكِنْ هَذَا الثَّانِي لَا يُوجَدُ فَإِذًا حَدِيثُ الْبَابِ نِصْفُ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ رَدٌّ مَعْنَاهُ مَرْدُودٌ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ مِثْلِ خَلْقٍ وَمَخْلُوقٍ وَنَسْخٍ وَمَنْسُوخٍ وَكَأَنَّهُ قَالَ فَهُوَ بَاطِلٌ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَاللَّفْظُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ مَنْ عَمِلَ أَعَمُّ مِنَ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ مَنْ أَحْدَثَ فَيُحْتَجُّ بِهِ فِي إِبْطَالِ جَمِيعِ الْعُقُودِ الْمَنْهِيَّةِ وَعَدَمِ وُجُودِ ثَمَرَاتِهَا الْمُرَتَّبَةِ عَلَيْهَا وَفِيهِ رَدُّ الْمُحْدَثَاتِ وَأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّاتِ كُلَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فَيَجِبُ رَدُّهَا وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُغَيِّرُ مَا فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ لِقَوْلِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا وَالْمُرَادُ بِهِ أَمْرُ الدِّينِ وَفِيهِ أَنَّ الصُّلْحَ الْفَاسِدَ مُنْتَقَضٌ وَالْمَأْخُوذَ عَلَيْهِ مُسْتَحِقٌّ الرَّدَّ

الصفحة 303