كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)
تَرْكِ الزِّيَادَةِ وَهِيَ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ كَانَ فِي مَقَامِ الدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالِاسْتِمَالَةِ إِلَى الدُّخُولِ فِيهِ فَكَانَ يَحْرِصُ عَلَى تَرْكِ تَحْرِيضِهِمْ عَلَى مَا فِيهِ نَوْعُ مَشَقَّةٍ مَهْمَا أَمْكَنَ بِخِلَافِ مَنْ تَمَكَّنَ فِي الْإِسْلَامِ فَيَحُضُّهُ عَلَى الِازْدِيَادِ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ وَفِيهِ سُرْعَةُ فَهْمِ الصَّحَابَةِ لِمُرَادِ الشَّارِعِ وَطَوَاعِيَتُهُمْ لِمَا يُشِيرُ بِهِ وَحِرْصُهُمْ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَفِيهِ الصَّفْحُ عَمَّا يَجْرِي بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ مِنَ اللَّغَطِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَفِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الْمَدِينِ الْحَطِيطَةَ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ خِلَافًا لِمَنْ كَرِهَهُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَاعْتَلَّ بِمَا فِيهِ مِنْ تَحَمُّلِ الْمِنَّةِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَعَلَّ مَنْ أَطْلَقَ كَرَاهَتَهُ أَرَادَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَفِيهِ هِبَةُ الْمَجْهُولِ كَذَا قَالَ بن التِّينِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ بن حِبَّانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[2706] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ تَقَدَّمَ حَدِيثُ كَعْبٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي أَوَّلِ الْمُلَازَمَةِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ التَّقَاضِي وَالْمُلَازَمَةِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاة وَأفَاد بن أَبِي شَيْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ الدَّيْنَ الْمَذْكُورَ كَانَ أوقيتين قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ لِقَوْلِ النَّاسِ خَيْرُ الصُّلْح على الشّطْر
(قَوْلُهُ بَابُ فَضْلِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ)
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ تَعْدِلُ بَيْنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ يَأْتِي فِي الْجِهَادِ وَوَقَعَ هُنَا فِي أَوَّلِ الْإِسْنَادِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ غَيْرُ مَنْسُوبٍ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ إِلَّا عَنْ أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَوَقَعَ فِي الْجِهَادِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ وَالْآخَرُ إِسْحَاقُ غَيْرَ مَنْسُوبٍ وَسِيَاقُ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ مُغَايِرٌ لسياق إِسْحَاق الآخر فَتعين أَنه بن مَنْصُور وَالله أعلم وَقَوله
[2707] سُلَامَى بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ مَعَ الْقَصْرِ أَيْ مَفْصِلٍ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ تَفْسِيرُهُ بِذَلِكَ وَأَنَّ فِي الْإِنْسَانِ ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ مفصلا قَالَ بن الْمُنِيرِ تَرْجَمَ عَلَى الْإِصْلَاحِ وَالْعَدْلِ وَلَمْ يُورِدْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا الْعَدْلَ لَكِنْ لَمَّا خَاطَبَ النَّاسَ كُلَّهُمْ بِالْعَدْلِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِمُ الْحُكَّامَ وَغَيْرَهُمْ كَانَ عَدْلُ الْحَاكِمِ إِذَا حَكَمَ وَعَدْلُ غَيْرِهِ إِذَا أَصْلَحَ وَقَالَ غَيْرُهُ الْإِصْلَاحُ نَوْعٌ مِنَ الْعَدْلِ فَعَطْفُ الْعَدْلِ عَلَيْهِ من عطف الْعَام على الْخَاص
الصفحة 309