كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)
(قَوْلُهُ بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الِاشْتِرَاطِ وَالثُّنْيَا)
بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ مَقْصُورٌ أَيِ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِقْرَارِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ اسْتِثْنَاءَ قَلِيلٍ مِنْ كَثِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ قَلِيلٍ وَاسْتِثْنَاءُ الْقَلِيلِ مِنَ الْكَثِيرِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازه وَعَكسه مُخْتَلف فِيهِ فَذهب الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِهِ أَيْضًا وَأَقْوَى حُجَجِهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى الا من اتبعك من الغاوين مَعَ قَوْله الا عِبَادك مِنْهُم المخلصين لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ مِنَ الْآخَرِ لَا مَحَالَةَ وَقَدِ اسْتَثْنَى كُلًّا مِنْهُمَا مِنَ الْآخَرِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ كَابْنِ الْمَاجِشُونِ إِلَى فَسَادِهِ وَإِلَيْهِ ذهب بن قُتَيْبَةَ وَزَعَمَ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَنَّ الْجَوَازَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَمِمَّنْ حَكَاهُ عَنْهُمُ الْفَرَّاءُ وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ فِي الْبَابِ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ وَقَالَ بن عَوْنٍ إِلَخْ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ أَنَّ رَجُلًا تَكَارَى مِنْ آخَرَ فَقَالَ اخْرُجْ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَوْله وَقَالَ أَيُّوب عَن بن سِيرِينَ إِلَخْ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ شُرَيْحًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَضَى عَلَى الْمُشْتَرِطِ بِمَا اشْتَرَطَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ إِكْرَاهٍ وَوَافَقَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَكْثَرُ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَخَالَفَهُ النَّاسُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ صَاحِبَ الْجِمَالِ يُرْسِلُهَا إِلَى الْمَرْعَى فَإِذَا اتَّفَقَ مَعَ التَّاجِرِ عَلَى يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَأَحْضَرَ لَهُ الْإِبِلَ فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لِلتَّاجِرِ السَّفَرُ أَضَرَّ ذَلِكَ بِحَالِ الْجَمَّالِ لِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْعَلَفِ فَوَقَعَ بَيْنَهُمُ التَّعَارُفُ عَلَى مَالٍ مُعَيَّنٍ يَشْتَرِطُهُ التَّاجِرُ عَلَى نَفْسِهِ إِذَا أَخْلَفَ لِيَسْتَعِينَ بِهِ الْجَمَّالُ عَلَى الْعَلَفِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ هِيَ عِدَةٌ فَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
الصفحة 354
423