كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

(قَوْلُهُ بَابُ الْوَصَايَا)
أَيْ حُكْمِ الْوَصَايَا قَوْلُهُ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ لَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَكَأَنَّهُ بِالْمَعْنَى فَإِنَّ الْمَرْءَ هُوَ الرَّجُلُ لَكِنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ فِي الْوَصِيَّةِ الصَّحِيحَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إِسْلَامٌ وَلَا رُشْدٌ وَلَا ثُيُوبَةٌ وَلَا إِذْنُ زَوْجٍ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا الْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَأَمَّا وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فَفِيهَا خِلَافٌ مَنَعَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأَظْهَرِ وَصَحَّحَهَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَول رَجحه بن أَبِي عَصْرُونَ وَغَيْرُهُ وَمَالَ إِلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَأَيَّدَهُ بِأَنَّ الْوَارِثَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الثُّلُثِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ وَصِيَّةِ الْمُمَيِّزِ قَالَ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يَعْقِلَ مَا يُوصِي بِهِ وَرَوَى الْمُوَطَّأُ فِيهِ أَثَرًا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَجَازَ وَصِيَّةَ غُلَامٍ لَمْ يَحْتَلِمْ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوِيٌّ فَإِنَّ رِجَالَهُ ثِقَاتٌ وَلَهُ شَاهِدٌ وَقَيَّدَ مَالِكٌ صِحَّتَهَا بِمَا إِذَا عَقَلَ وَلَمْ يَخْلِطْ وَأَحْمَدُ بِسَبْعٍ وَعَنْهُ بِعَشْرٍ قَوْلُهُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ للْوَالِدين إِلَى جَنَفًا كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِلنَّسَفِيِّ الْآيَةَ وَسَاقَ الْبَاقُونَ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ إِلَى غَفُورٍ رَحِيمٍ وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْوَصِيَّةُ وَقْتَ حُضُورِ الْمَوْتِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ مَفْعُولَ كَتَبَ أَوِ الْوَصِيَّةُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ لِلْوَالِدَيْنِ وَدَلَّ قَوْلُهُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَالُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يتْرك مَا لَا لَا تُشْرَعُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَالُ الْكَثِيرُ فَلَا تُشْرَعُ لِمَنْ لَهُ مَال قَلِيل قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا الْيَسِيرُ التَّافِهُ مِنَ الْمَالِ أَنَّهُ لَا تُنْدَبُ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَفِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ فَالثَّابِتُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ جَعَلَ اللَّهُ الْوَصِيَّةَ حَقًّا فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ نَدْبِيَّةُ الْوَصِيَّةِ من

الصفحة 356