كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

بِسَعْدٍ وَمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِ مِمَّنْ يَخْلُفُ وَارِثًا ضَعِيفًا أَوْ كَانَ مَا يَخْلُفُهُ قَلِيلًا لِأَنَّ الْبِنْتَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يُطْمَعَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ مَالٍ لَمْ يُرْغَبْ فِيهَا وَفِيهِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ مَالًا قَلِيلًا فَالِاخْتِيَارُ لَهُ تَرْكُ الْوَصِيَّةِ وَإِبْقَاءُ الْمَالِ لِلْوَرَثَةِ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ الْقَلِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَصَايَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ التَّيْمِيُّ لِفَضْلِ الْغَنِيِّ عَلَى الْفَقِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَفِيهِ مُرَاعَاةُ الْعَدْلِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَمُرَاعَاةُ الْعَدْلِ فِي الْوَصِيَّةِ وَفِيهِ أَنَّ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ وَقَدِ اعْتَبَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي غَيْرِ الْوَصِيَّةِ وَيَحْتَاجُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إِلَى ثُبُوتِ طَلَبِ الْكَثْرَةِ فِي الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي مَنْ قَالَ بِالرَّدِّ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ لِلْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ لَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ لَا يَقُولُ بِظَاهِرِهِ لِأَنَّهُمْ يُعْطُونَهَا فَرْضَهَا ثُمَّ يَرُدُّونَ عَلَيْهَا الْبَاقِيَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهَا تَرِثُ الْجَمِيعَ ابْتِدَاءً

(قَوْلُهُ بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ)
أَيْ جَوَازِهَا أَوْ مَشْرُوعِيَّتِهَا وَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَاسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ الْوَصِيَّةِ بِأَزْيَدَ مِنَ الثُّلُثِ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِيمَنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فِي بَابِ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَفِيمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ فَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ وَجَوَّزَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَإِسْحَاقُ وَشَرِيكٌ وَأحمد فِي رِوَايَة وَهُوَ قَول عَليّ وبن مَسْعُودٍ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُطْلَقَةٌ بِالْآيَةِ فَقَيَّدَتْهَا السُّنَّةُ بِمَنْ لَهُ وَارِثٌ فَيَبْقَى مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ تَوْجِيهٌ لَهُمْ آخَرُ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يُعْتَبَرُ ثُلُثُ الْمَالِ حَالَ الْوَصِيَّةِ أَوْ حَالَ الْمَوْتِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَهُمَا وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي فَقَالَ بِالْأَوَّلِ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَالَ بِالثَّانِي أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْبَاقُونَ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَتَمَسَّكَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ وَالْعُقُودُ تُعْتَبَرُ بِأَوَّلِهَا وَبِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ اعْتُبِرَ ذَلِكَ حَالَةَ النَّذْرِ اتِّفَاقًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ عَقْدًا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَلِذَلِكَ لَا تعْتَبر فِيهَا الْفَوْرِيَّةُ وَلَا الْقَبُولُ وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ بِأَنَّهَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا وَالنَّذْرُ يَلْزَمُ وَثَمَرَةُ هَذَا الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ حَدَثَ لَهُ مَالٌ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ

الصفحة 369