كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

فَقَالَ اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ بن عَمَّتك وَالظَّاهِر أَن هَذِه بِالْكَسْرِ وبن بِالنَّصْبِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ أَنه بن عَمَّتك قَالَ بن مَالِكٍ يَجُوزُ فِي أَنَّهُ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُهَا لِأَنَّهَا وَقَعَتْ بَعْدَ كَلَامٍ تَامٍّ مُعَلَّلٍ بِمَضْمُونِ مَا صُدِّرَ بِهَا فَإِذَا كُسِرَتْ قُدِّرَ مَا قَبْلَهَا بِالْفَاءِ وَإِذَا فُتِحَتْ قُدِّرَ مَا قَبْلَهَا اللَّام وَبَعْضُهُمْ يُقَدِّرُ بَعْدَ الْكَلَامِ الْمُصَدَّرِ بِالْمَكْسُورَةِ مِثْلَ مَا قَبْلَهَا مَقْرُونًا بِالْفَاءِ فَيَقُولُ فِي قَوْلِهِ مَثَلًا اضْرِبْهُ إِنَّهُ مُسِيءٌ اضْرِبْهُ إِنَّهُ مُسِيءٌ فَاضْرِبْهُ وَمِنْ شَوَاهِدِهِ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَة وَلَمْ يُقْرَأْ هُنَا إِلَّا بِالْكَسْرِ وَإِنْ جَازَ الْفَتْحُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ الْوَجْهَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ أَنه هُوَ الْبر الرَّحِيم قَرَأَ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ وَالْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ قَوْلُهُ فَتَلَوَّنَ أَيْ تَغَيَّرَ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْغَضَبِ زَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ حَتَّى عَرَفْنَا أَنْ قَدْ سَاءَهُ مَا قَالَ قَوْلُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ أَيْ يَصِيرَ إِلَيْهِ وَالْجَدْرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الْمُسَنَّاةُ وَهُوَ مَا وُضِعَ بَيْنَ شَرَبَاتِ النَّخْلِ كَالْجِدَارِ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْحَوَاجِزُ الَّتِي تَحْبِسُ الْمَاءَ وَجَزَمَ بِهِ السُّهَيْلِيُّ وَيُرْوَى الْجُدُرُ بِضَمِّ الدَّالِ حَكَاهُ أَبُو مُوسَى وَهُوَ جَمْعُ جِدَار وَقَالَ بن التِّينِ ضُبِطَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِفَتْحِ الدَّالِ وَفِي بَعْضِهَا بِالسُّكُونِ وَهُوَ الَّذِي فِي اللُّغَةِ وَهُوَ أَصْلُ الْحَائِطِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَمْ يَقَعْ فِي الرِّوَايَةِ إِلَّا بِالسُّكُونِ وَالْمَعْنَى أَنْ يَصِلَ الْمَاءُ إِلَى أُصُولِ النَّخْلِ قَالَ وَيُرْوَى بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ الْجِدَارُ وَالْمُرَادُ بِهِ جُدْرَانُ الشَّرَبَاتِ الَّتِي فِي أُصُولِ النَّخْلِ فَإِنَّهَا تُرْفَعُ حَتَّى تَصِيرَ تُشْبِهُ الْجِدَارَ وَالشَّرَبَاتُ بِمُعْجَمَةٍ وَفَتَحَاتٍ هِيَ الْحُفَرُ الَّتِي تُحْفَرُ فِي أُصُولِ النَّخْلِ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ الْجَذْرَ بِسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ جَذْرُ الْحِسَابِ وَالْمَعْنَى حَتَّى يَبْلُغَ تَمَامَ الشُّرْبِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَمْسِكْ أَيْ أَمْسِكْ نَفْسَكَ عَن السَّقْي ولوكان الْمُرَادُ أَمْسِكِ الْمَاءَ لَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ قُلْتُ قَدْ قَالَهَا فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا سَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فِي التَّفْسِيرِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ وَصَرَّحَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ أَيْضًا بِقَوْلِهِ احْبِسِ الْمَاءَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَمْرَهُ بِإِرْسَالِ الْمَاءِ كَانَ قَبْلَ اعْتِرَاضِ الْأَنْصَارِيِّ وَأَمْرَهُ بِحَبْسِهِ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ إِنِّي لِأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شجر بَينهم زَادَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ إِلَى قَوْلِهِ تَسْلِيمًا وَوَقع فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ الْآتِيَةِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ وَنَزَلَتْ فَلَا وَرَبِّكَ الْآيَةَ وَالرَّاجِحُ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ وَأَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ لَا يَجْزِمُ بِذَلِكَ لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ الْجَزْمُ بِذَلِكَ وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ الزُّبَيْرِ وَخَصْمِهِ وَكَذَا فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ الَّذِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ وَجَزَمَ مُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ بِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِيمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطاغوت الْآيَة فروى إِسْحَاق بن رَاهْوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ وَرَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ خُصُومَةٌ فَدَعَا الْيَهُودِيُّ الْمُنَافِقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرِّشْوَةَ وَدَعَا الْمُنَافِقُ الْيَهُودِيَّ إِلَى حُكَّامِهِمْ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وَأخرجه بن أبي حَاتِم من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ حَاكِمَ الْيَهُودِ يَوْمَئِذٍ كَانَ أَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَيَصْحَبَ وَرَوَى بِإِسْنَاد صَحِيح آخَرَ صَحِيحٍ إِلَى مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَقَدْ رَوَى الْكَلْبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِيٍّ خُصُومَةٌ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ وَقَالَ الْمُنَافِقُ بَلْ نَأْتِي

الصفحة 37