كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

(

قَوْله بَاب قَول الله عز وَجل من بعد وَصِيَّة يوصى بهَا أَو دين)
أَرَادَ الْمُصَنِّفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ الِاحْتِجَاجَ بِمَا اخْتَارَهُ مِنْ جَوَازِ إِقْرَارِ الْمَرِيضِ بِالدَّيْنِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُقِرُّ لَهُ وَارِثًا أَوْ أَجْنَبِيًّا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَوَّى بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ فِي تَقْدِيمِهِمَا عَلَى الْمِيرَاثِ وَلَمْ يُفَصِّلْ فَخَرَجَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَبَقِيَ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ عَلَى حَالِهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى من بعد وَصِيَّة مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَوَارِيثِ كُلِّهَا إِلَّا بِمَا يَلِيهِ وَحْدَهُ وَكَأَنَّهُ قِيلَ قِسْمَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَقَعُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ وَالْوَصِيَّةُ هُنَا المَال الْمُوصى بِهِ وَقَوله يوصى بهَا هَذِهِ الصِّفَةُ تُقَيِّدُ الْمَوْصُوفَ وَفَائِدَتُهُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ قَالَ وَأَفَادَ تَنْكِيرُ الْوَصِيَّةِ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ إِذْ لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَقَالَ مِنْ بَعْدِ الْوَصِيَّةِ كَذَا قَالَ قَوْلُهُ وَيُذْكَرُ أَنَّ شُرَيْحًا وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيز وطاوسا وَعَطَاء وبن أُذَيْنَةَ أَجَازُوا إِقْرَارَ الْمَرِيضِ بِدَيْنٍ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالنَّقْلِ عَنْهُمْ لِضَعْفِ الْإِسْنَادِ إِلَى بَعْضِهِمْ فَأَما أثر شُرَيْح فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ إِذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِوَارِثٍ بِدَيْنٍ لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِذَا أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ جَازَ وَفِي إِسْنَادِهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ أَضْعَفَ مِنْ هَذِهِ وَلَكِنْ سَيَأْتِي لَهُ إِسْنَادٌ أَصَحُّ مِنْ هَذَا بَعْدُ وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى من وَصله عَنهُ وَأما طَاوس فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْهُ بِلَفْظِ إِذَا أَقَرَّ لِوَارِثٍ جَازَ وَفِي الْإِسْنَادِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا قَوْلُ عَطَاءٍ فَوَصَلَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِمِثْلِهِ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَأما بن أُذَيْنَةَ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَكَانَ قَاضِيَ الْبَصْرَةِ وَأَبُوهُ بِالْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرٌ وَهُوَ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَوَهَمَ مَنْ ذكره فِي الصَّحَابَة وأثره هَذَا وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْهُ فِي الرَّجُلِ يُقِرُّ لِوَارِثٍ بِدَيْنٍ قَالَ يَجُوزُ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ قَوْلُهُ وَقَالَ الْحَسَنُ أَحَقُّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ الرَّجُلُ آخِرَ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الْآخِرَةِ هَذَا أَثَرٌ صَحِيحٌ رُوِّينَاهُ بِعُلُوٍّ فِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ مِنْ طَرِيق قَتَادَة قَالَ قَالَ بن سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ لَا يَجُوزُ إِقْرَارٌ لِوَارِثٍ قَالَ وَقَالَ الْحَسَنُ أَحَقُّ مَا جَازَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ وَآخِرَ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا قَوْلُهُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَالْحَكَمُ إِذَا أَبْرَأَ الْوَارِثَ مِنَ الدَّيْنِ بَرِيء وَصله بن أبي شيبَة من طَرِيق الثَّوْريّ عَن بن أَبِي لَيْلَى عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي الْمَرِيضِ إِذَا أَبْرَأَ الْوَارِثَ بَرِئَ وَعَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الْحَكَمِ مِثْلُهُ قَوْلُهُ وَأَوْصَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنْ لَا تُكْشَفَ امْرَأَتُهُ الْفَزَارِيَّةُ عَمَّا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُهَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ عَنْ مَالٍ أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُهَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ مَوْصُولًا بَعْدُ قَوْلُهُ وَقَالَ

الصفحة 375