كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

الْحَسَنُ إِذَا قَالَ لِمَمْلُوكِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ كُنْتُ أَعْتَقْتُكَ جَازَ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ وَصَلَهُ وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَسَنِ فِي تَنْفِيذِ إِقْرَارِ الْمَرِيضِ مُطْلَقًا قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ إِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ عِنْدَ مَوْتِهَا إِنَّ زَوْجِي قَضَانِي وَقَبَضْتُ مِنْهُ جَازَ قَالَ بن التِّينِ وَجْهُهُ أَنَّهَا لَا تُتَّهَمُ بِالْمَيْلِ إِلَى زَوْجِهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَجُوزُ إِقْرَارُهُ أَيِ الْمَرِيضِ لِسُوءِ الظَّنِّ بِهِ لِلْوَرَثَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي بِسُوءِ الظَّنِّ بِالْمُوَحَّدَةِ بَدَلَ اللَّامِ قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ يَجُوزُ إِقْرَارُهُ بِالْوَدِيعَةِ وَالْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ قَالَ بن التِّينِ إِنْ أَرَادَ هَذَا الْقَائِلُ مَا إِذَا أَقَرَّ بِالْمُضَارَبَةِ مَثَلًا لِلْوَارِثِ لَزِمَهُ التَّنَاقُضُ وَإِلَّا فَلَا وَفَرَّقَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ رِبْحَ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعَامِلِ وَالْمَالِكِ فَلَمْ يكن كَالدّين الْمَحْض وَقَالَ بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إِقْرَارَ الْمَرِيضِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ جَائِزٌ لَكِنْ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي الصِّحَّةِ فَقَدْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ النَّخَعِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ يُبْدَأُ بِدَيْنِ الصِّحَّةِ وَيَتَحَاصُّ أَصْحَابُ الْإِقْرَارِ فِي الْمَرَضِ وَاخْتَلَفُوا فِي إِقْرَارِ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ فَأَجَازَهُ مُطْلَقًا الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ إِلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا إِذَا أَقَرَّ لِبِنْتِهِ وَمَعَهَا مَنْ يُشَارِكُهَا مِنْ غَيْرِ الْوَلَدِ كَابْنِ الْعَمِّ مَثَلًا قَالَ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي أَنْ يزِيد بنته وَينْقص بن عَمِّهِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَاسْتُثْنِيَ مَا إِذَا أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي يُعْرَفُ بِمَحَبَّتِهَا وَالْمَيْلِ إِلَيْهَا وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا تَبَاعُدٌ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ لَهُ مِنْهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلَدٌ وَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ مَدَارُ الْأَمْرِ عَلَى التُّهْمَةِ وَعَدَمِهَا فَإِنْ فُقِدَتْ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الرُّويَانِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ لَا يَجُوزُ إِقْرَارُهُ لِوَارِثٍ إِلَّا لِزَوْجَتِهِ بِصَدَاقِهَا وَعَنِ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ زَعَمَ بن الْمُنْذِرِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَعَ عَنِ الْأَوَّلِ إِلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ إِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مَنَعَ الْوَصِيَّةَ لَهُ فَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَزِيدَ الْوَصِيَّةَ لَهُ فَيَجْعَلَهَا إِقْرَارًا وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ مُطْلَقًا بِمَا تَقَدَّمَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ التُّهْمَةَ فِي حَقِّ الْمُحْتَضِرِ بَعِيدَةٌ وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ لِأَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى فِي صِحَّتِهِ لِوَارِثِهِ بِوَصِيَّةٍ وَأَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ ثُمَّ رَجَعَ أَنَّ رُجُوعَهُ عَن الْإِقْرَار لَا يَصح بِخِلَاف الْوَصِيَّةِ فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا أَقَرَّ بِوَارِثٍ صَحَّ إِقْرَارُهُ مَعَ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ لَهُ بِالْمَالِ وَبِأَنَّ مَدَارَ الْأَحْكَامِ عَلَى الظَّاهِرِ فَلَا يُتْرَكُ إِقْرَارُهُ لِلظَّنِّ الْمُحْتَمَلِ فَإِنَّ أَمْرَهُ فِيهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَصَدَ بِذِكْرِهِ هُنَا الرَّدَّ عَلَى مَنْ أَسَاءَ الظَّنَّ بِالْمَرِيضِ فَمَنَعَ تَصَرُّفَهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ أَيْ أَكْذَبُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ يُوصَفُ بِهِمَا الْقَوْلُ لَا الظَّنُّ قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ مَالُ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةُ الْمُنَافِقِ إِذَا ائْتمن خَانَ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كتاب الْإِيمَان وَوجه تَعَلُّقُهُ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ مَنَعَ إِجَازَةَ إِقْرَارِ الْمَرِيضِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى ذَمِّ الْخِيَانَةِ فَلَوْ تَرَكَ ذِكْرَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَكَتَمَهُ لَكَانَ خَائِنًا لِلْمُسْتَحِقِّ فَلَزِمَ مِنْ وُجُوبِ تَرْكِ الْخِيَانَةِ وُجُوبُ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ إِذَا كَتَمَ صَارَ خَائِنًا وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ إِقْرَارَهُ كَانَ حَمَلَهُ عَلَى الْكِتْمَانِ قَوْلُهُ وَقَالَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهلهَا فَلم يخص وَارِثًا وَلَا غَيْرَهُ أَيْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْوَارِثِ وَغَيْرِهِ فِي الْأَمْرِ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ سَوَاءٌ كَانَ لِوَارِثٍ أَوْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي حَدِيثَ آيَةِ الْمُنَافِقِ الَّذِي عَلَّقَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا بِتَمَامِهِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَلَفْظُهُ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَفِيهِ وَإِذَا ائْتمن خَانَ وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْبَابِ بِلَفْظِ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ تَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ

الصفحة 376