كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

الْإِحْيَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْجُورِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ لَيْسَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مُعَارَضَةٌ فَالْحِمَى الْمَنْهِيُّ مَا يُحْمَى مِنَ الْمَوَاتِ الْكَثِيرِ الْعُشْبِ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً كَفِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِحْيَاءُ الْمُبَاحُ مَا لَا مَنْفَعَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ شَامِلَةً فَافْتَرَقَا وَإِنَّمَا تُعَدُّ أَرْضُ الْحِمَى مَوَاتًا لِكَوْنِهَا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا مِلْكٌ لِأَحَدٍ لَكِنَّهَا تُشْبِهُ الْعَامِرَ لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُ وَقَالَ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَى النَّقِيعَ كَذَا لِجَمِيعِ الرُّوَاةِ إِلَّا لِأَبِي ذَرٍّ وَالْقَائِلُ هُوَ بن شِهَابٍ وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَيْهِ وَهُوَ مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضَلٌ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ من طَرِيق بن وهب عَن يُونُس عَن بن شِهَابٍ فَذَكَرَ الْمَوْصُولَ وَالْمُرْسَلَ جَمِيعًا وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بَلَغَنَا إِلَخْ فَظَنَّ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَذَكَرَ الْمَوْصُولَ وَالْمُرْسَلَ جَمِيعًا عَلَى الصَّوَابِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَوَقَعَ لِأَبِي نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ تَخْبِيطٌ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَاقْتَصَرَ فِي الْإِسْنَادِ الْمَوْصُولِ عَلَى الْمَتْنِ الْمُرْسَلِ وَهُوَ قَوْلُهُ حَمَى النَّقِيعَ وَلَيْسَ هَذَا من حَدِيث بن عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ وَإِنَّمَا هُوَ بَلَاغٌ لِلزُّهْرِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ جَامِعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ وَنَقَلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ وَهَمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَمَى النَّقِيعَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ يَعْنِي مِنْ بَلَاغِهِ ثُمَّ رَوَى من حَدِيث بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَى النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ تَرْعَى فِيهِ وَفِي إِسْنَادِهِ الْعُمَرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِهِ قَوْلُهُ النَّقِيعَ بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ صَحَّفَهُ فَقَالَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ عَلَى عِشْرِينَ فَرْسَخًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَقَدْرُهُ مِيلٌ فِي ثَمَانِيَة أَمْيَال ذكر ذَلِك بن وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ وَأَصْلُ النَّقِيعِ كُلُّ مَوْضِعٍ يُسْتَنْقَعُ فِيهِ الْمَاءُ وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ النَّقِيعِ الْخُضُمَّاتِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي جَمْعَ فِيهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بِالْمَدِينَةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ غَيْرُ النَّقِيعِ الَّذِي فِيهِ الْحمى وَحكى بن الْجَوْزِيِّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ إِنَّهُمَا وَاحِدٌ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَوْلُهُ وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى الشَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ مِنْ بَلَاغِ الزُّهْرِيِّ أَيْضًا وَقَدْ ثَبَتَ وُقُوعُ الْحِمَى مِنْ عُمَرَ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ عَلَى الْحِمَى الْحَدِيثَ وَالشَّرَفُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ فِي الْمَشْهُورِ وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ قَالَ وَفِي موطأ بن وَهْبٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ قَالَ وَكَذَا رَوَاهُ بعض رُوَاة البُخَارِيّ أَو أَصله وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَمَّا سَرِفُ فَهُوَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ مَكَّةَ وَلَا تَدْخُلُهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَالرَّبَذَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا ذَالٌ مُعْجَمَةٌ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَقَدْ رَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ حَمَى الرَّبَذَةَ لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ

الصفحة 45