كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 5)

(قَوْلُهُ بَابُ أَدَاءِ الدَّيْنِ)
فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ الدُّيُونُ بِالْجَمْعِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا الْآيَةَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ الْأَصِيلِيُّ وَغَيْرُهُ الْآيَة قَالَ بن الْمُنِيرِ أُدْخِلَ الدَّيْنُ فِي الْأَمَانَةِ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِأَدَائِهِ إِذِ الْمُرَادُ بِالْأَمَانَةِ فِي الْآيَةِ هُوَ المُرَاد فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَفُسِّرَتْ هُنَاكَ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَيَدْخُلُ فِيهَا جَمِيعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ اه وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَمَانَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَإِذَا أَمَرَ اللَّهُ بِأَدَائِهَا وَمَدَحَ فَاعِلَهُ وَهِيَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَحَالُ مَا فِي الذِّمَّةِ أَوْلَى وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ حَاجِبِ الْكَعْبَةِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ نَزَلَتْ فِي الْوُلَاة وَعَن بن عَبَّاسٍ هِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ وَرَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ طَلْقِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ كَانَ لِي دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ فَخَاصَمْتُهُ إِلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ لَهُ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهلهَا وَأَمَرَ بِحَبْسِهِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَبْصَرَ أُحُدًا قَالَ مَا أُحِبُّ أَنَّهُ يُحَوَّلُ لِي ذَهَبًا يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا دِينَارًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَغَرَضُهُ هُنَا هَذَا الْقَدْرُ الْمَذْكُورُ قَالَ بن بَطَّالٍ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي كَثِيرِ الدَّيْنِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْيَسِيرِ مِنْهُ أَخْذًا مِنِ اقْتِصَارِهِ عَلَى ذِكْرِ الدِّينَارِ الْوَاحِدِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ مَثَلًا لَمْ يَرْصُدْ لِأَدَائِهَا دِينَارًا وَاحِدًا اه وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَفِيهِ الِاهْتِمَامُ بِأَمْرِ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا

[2388] قَوْلُهُ مَا أُحِبُّ أَنَّهُ تَحَوَّلَ لِي ذَهَبًا كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ تَحَوَّلَ بِفَتْح الْمُثَنَّاة وَلغيره بِضَم التَّحْتَانِيَّة قَالَ بن مَالِكٍ فِيهِ حَوَّلَ بِمَعْنَى صَيَّرَ وَقَدْ خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النُّحَاةِ وَعَابَ بَعْضُهُمُ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى الْحَرِيرِيِّ قَالَ وَقَدْ جَاءَ هُنَا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ جَارِيًا مَجْرَى صَارَ فِي رَفْعِ مَا كَانَ مُبْتَدَأً وَنَصْبِ مَا كَانَ خَبَرًا وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَا صِيغَ مِنْ حَوَّلَ مِثْلُ تَحَوَّلَ فَإِنَّهُ بِزِيَادَةِ الْمُثَنَّاةِ تَجَدَّدَ لَهُ حَذْفُ مَا كَانَ فَاعِلًا وَجُعِلَ أَوَّلُ الْمَفْعُولَيْنِ فَاعِلًا وَثَانِيهِمَا

الصفحة 55