كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

في حكمه وكذلك (وإن يروا سبيل الغي يتَّخذوه سبيلاً) والمعنى: أنهم إذا وجدوا سبيلاً من سبل الرشد يعني طريق الحق والهدى والسداد والصواب تركوه وتجنبوه، وإن رأوا سبيلاً من سبل الغي والضلال سلكوه واختاروه لأنفسهم.
قال أبو عبيدة: فرق أبو عمرو بين الرُّشد والرَّشد فقال الرشد الصلاح والرَّشد في الدين وقال النحاس: سيبويه يذهب إلى أن الرُّشد والرَّشد كالسُّخط والسَّخط وهما لغتان وأصل الرُّشْد في اللغة أن يظفر الإنسان بما يريد وهو ضد الخيبة.
(ذلك) إشارة إلى ما ذكر من تكبرهم وعدم الإيمان بالآيات وتجنب سبيل الرشد وسلوك سبيل الغي وهو مبتدأ خبره قوله سبحانه (بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين) أي بسبب تكذيبهم بالآيات وغفلتهم عنها.
(والذين كذبوا بآياتنا ولقاء) الدار (الآخرة) يعني لقاءهم لها أو لقاءهم ما وعدوا به فيها ذكرهما الزمخشري (حبطت أعمالهم) الحباط البطلان أي بطل ما عملوه في الدنيا مما صورته صورة الطاعة كالصدقة والصلة وإن كانوا في حال كفرهم لا طاعات لهم كأن لم تكن، ويحتمل أن يراد: أنها تبطل بعد ما كانت مرجوة النفع على تقدير إسلامهم لما في الحديث الصحيح [أسلمت على ما أسلفت من خير].
(هل يجزون إلا ما) أي بما (كانوا يعملون) أو على ما كانوا أو جزاء ما كانوا، قدره الواحدي وقال هنا: لا بد منه قال السمين وهو واضح، لأن نفس ما كانوا يعملونه لا يجزونه إنما يجزون بمقابلة أعمالهم من الكفر بالله والتكذيب بآياته وتنكب سبيل الحق وسلوك سبيل الغي.

الصفحة 19