كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)
(ولماّ رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً) هذا بيان لما وقع من موسى بعد رجوعه، والأسف: شديد الغضب قاله محمد بن كعب، وقيل هو منزلة وراء الغضب أشد منه، قاله أبو الدرداء، وقال ابن عباس والسدي: الأسف الحزن والأسيف الحزين، قال الواحدي: والقولان متقاربان لأن الغضب من الحزن والحزن من الغضب، فإذا جاءك ما تكره ممن هو دونك غضبت وإذا جاءك ما تكره ممن هو فوقك حزنت فتسمى إحدى هاتين الحالتين حزناً والأخرى غضباً يقال: هو أسف وأسيف وأسفان وأسوف.
قال ابن جرير الطبري: أخبره الله قبل رجوعه بأنهم قد فتنوا، وأن السّامري قد أضلهم فلذلك رجع وهو غضبان أسفاً.
(قال بئسما خلفتموني من بعدي) هذ ذم من موسى لقومه أي بئس العمل ما عملتموه من بعد غيبتي عنكم وفراقي إياكم، يقال: خلفه بخير، وخلفه بشر، استنكر عليهم ما فعلوه وذمهم لكونهم قد شاهدوا من الآيات ما يوجب بعضه الإنزجار، والإيمان بالله وحده، ولكن هذا شأن بني إسرائيل في تلوُّن حالهم واضطراب أفعالهم.
ثم قال منكراً عليهم (أعجلتم أمر ربكم) العجلة التقدم بالشيء قبل وقته يقال: عجلت الشيء سبقته وأعجلت الرجل حملته على العجلة، ولذلك صارت مذمومة والسرعة غير مذمومة لأن معناها عمل الشيء في أول وقته،

الصفحة 23