كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

(إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) أي إني لم أطق تغيير ما فعلوه لهذين الأمرين استضعافهم لي ومقاربتهم لقتلي، مع إني لم آل جهداً في كفهم بالوعظ والإنذار.
(فلا تشمت بي الأعداء) الشماتة: أصلها الفرح ببلية من تعاديه ويعاديك يقال: شمت فلان بفلان إذا سر بمكروه نزل به، والمعنى لا تسر الأعداء بما تفعل بي من المكروه، وفي المصباح شمت به يشمت من باب سلم إذا فرح بمصيبة نزلت به، والاسم الشماتة وأشمت الله العدو به ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء ودرك الشقاء وجهد البلاء وشماتة الأعداء "، وهو في الصحيح (¬1).
قيل: والمعنى لا تفعل بي ما يكون سبباً للشماتة منهم، وقال مجاهد ومالك ابن دينار: لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله بي، وقال ابن جني: والمعنى فلا تشمت بي أنت يارب، وما أبعد هذا المعنى عن الصواب، وأبعد تأويلها عن وجوه الإعراب.
(ولا تجعلني مع القوم الظَّالمين) أي لا تجعلني بغضبك في عداد القوم الذين عبدوا العجل أو لا تعتقد أني منهم مع براءتي منهم ومن ظلمهم.
¬_________
(¬1) مسلم 2707 - البخاري 2401.
(قال رب اغفر لي ولأخي) طلب المغفرة له أولاً ولأخيه ثانياً ليزيل عن أخيه ما خافه من الشماتة فكأنه قد ندم مما فعله بأخيه، وأظهر أنه لا وجه له وطلب المغفرة من الله مما فرط منه في جانبه ثم طلب المغفرة لأخيه إن كان قد وقع منه تقصير فيما يجب عليه من الإنكار عليهم وتغيير ما وقع منهم (وأدخلنا في رحمتك) التي وسعت كل شيء (وأنت أرحم الراحمين) فيه ترغيب في الدعاء لأن من هو أرحم الراحمين تؤمل منه الرحمة، وفيه تقوية لطمع الداعي في نجاح طلبته.

الصفحة 25