كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

والافتراء الكذب، فمن افترى على الله سيناله غضب وذلة في الحياة الدنيا وإن لم يكن بنفس ما عوقب به هؤلاء، بل المراد ما يصدق عليه أنه من غضب الله سبحانه وإن فيه ذلة بأي نوع كان، ولا فرية أعظم من قول السامري: هذا إلهكم وإله موسى.
(والذين عملوا السَّيئات) أي سيئة كانت حتى الكفر وما دونه ومن جملتها عبادة العجل (ثم تابوا من بعدها) أي من بعد عملها (وآمنوا) بالله (إن ربك) أيها التائب أو يا محمد (من بعدها) أي من بعد هذه التوبة أو من بعد عمل هذه السيئات التي قد تاب عنها فاعلها وآمن بالله (لغفور رحيم) أي كثير الغفران لذنوب عباده وكثير الرحمة لهم.
وفي الآية دليل على أن السيئات بأسرها صغيرها وكبيرها مشتركة في التوبة وأن الله تعالى يغفرها جميعاً بفضله ورحمته، وهذا من أعظم البشائر للمذنبين التائبين.
(ولما سكت) وقرئ أسكت (عن موسى الغضب) أصل السكوت السكون والإمساك عن الشيء يقال جرى الوادي ثلاثاً ثم سكت أي مسك وسكن عن الجري، وقيل هذا مثل كأن الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول له قل لقومك كذا وألق الألواح وجر برأس أخيك فترك الإغراء وسكت.
وقيل هذا الكلام فيه قلب، والأصل سكت موسى عن الغضب كقولهم أدخلت الأصبع الخاتم والخاتم الأصبع، وأدخلت القلنسوة رأسي، ورأسي القلنسوة، والأول أولى، وبه قال أهل اللغة والتفسير وفيه مبالغة وبلاغة من حيث إنه جعل الغضب الحامل له على ما فعل كالآمر به والمغري عليه، حتى عبر عن سكونه بالسكوت.
(أخذ الألواح) التي ألقاها عند الغضب، قال الرازي: وظاهر هذا

الصفحة 27