كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

ليدعو ربهم فكان فيما دعوا لله أن قالوا اللهم أعطنا ما لم تعط أحداً من قبلنا ولا تعطه أحداً بعدنا فكره الله ذلك من دعائهم فأخذتهم الرجفة كما قال: (فلما أخذتهم الرجفة) هي في اللغة الزلزلة الشديدة قيل إنهم زلزلوا حتى ماتوا يوماً وليلة وقال وهب لم تكن موتاً ولكن أخذتهم الرِّعدة وقلقوا ورجفوا حتى كادت أن تبين مفاصلهم.
ومعظم الروايات أنهم ماتوا قال مجاهد: ماتوا ثم أحياهم الله تعالى وسبب أخذ الرجفة لهم ما حكى الله عنهم من قولهم: (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة) على ما تقدم في البقرة وقيل هؤلاء السبعون غير من قالوا أرنا الله جهرة بل أخذتهم الرجفة بسبب عدم انتهائهم عن عبادة العجل، وقيل إنهم قوم لم يرضوا بعبادة العجل ولا نهوا السامري ومن معه عن عبادته فأخذتهم الرجفة بسبب سكوتهم.
فلما رأى موسى أخذ الرجفة لهم (قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل) المعنى لو شئت إهلاكنا لأهلكتنا بذنوبنا قبل هذا الوقت وقال ذلك اعترافاً منه عليه السلام بالذنب وتلهفاً على ما فرط من قومه (وإياي) معهم وذلك أنه خاف أن يتهمه بنو إسرائيل على السبعين ولم يصدقوا بأنهم ماتوا.
(أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) الاستفهام للجحد أي لست ممن يفعل ذلك قاله ثقة منه برحمة الله، والمقصود منه الاستعطاف والتضرع، قاله ابن الأنباري وقيل معناه الدعاء والطلب أي لا تهلكنا قاله المبرد، وقيل قد علم موسى أنه لا يهلك أحد بذنب غيره ولكنه كقول عيسى " عليه السلام إن تعذبهم فإنهم عبادك وقيل المراد بالسفهاء السبعون، والمعنى أتهلك بني إسرائيل بما فعل هؤلاء السفهاء في قولهم أرنا الله جهرة، وقيل المراد بهم السامري وأصحابه.
(إن هي) قال الواحدي: الكناية في هي تعود إلى الفتنة كما تقول إن

الصفحة 30