كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

لا تسمع) الخ لأنه أمر بالاستقامة على الدين والإحصان وإلا فليس بنبي، وأما التالي فلعدم إجراء الحدود في ملته الم تر أن النصراني يسلم ويتهود ويتبرهم ولا يجب عليه حد، وأنه ربما ينقض جميع سنن الإنجيل وأحكامه ويرتكب ما يخالفهما ولا ينكر عليه أحد.
وهذا بخلاف ملة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإن عدم امتثال بعض أوامره يوجب هرق الدم وإزهاق الأنفس فيكون هو المنصوص عليه بهذا النص، وهذا هو معنى قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله).
وفي إنجيل متى وفي كتاب أشعيا هذا هو عبدي الذي انتخبت ومحبوبي الذي رضيت عليه فسأحل روحي عليه وسيظهر للعوام الدينونة ولن يصرخ ولن يصيح ولن يسمع صوته في الأزقة أحد، ولن يكسر قصبة مرضوضة ولن يطفئ ذبالة مدخنة حتى يخرج الدينونة المنصرة ويتكل على اسمه العوام انتهى، وهذا نص صريح على إثبات نبوة نبينا - صلى الله عليه وسلم -.
وأما استدلال النصارى بهذا على كون المسيح ابن الله وخاتم الأنبياء فلا دلالة لها عليه إذ الجزاء فيه اتكال العوام عليه، وقد صلب أو رفع ولم يتكل عليه العوام، وقد مضى من ارتفاعه أو صلبه إلى زمان تحرير هذه السطور 1879 سنة ولم يجتمع عليه من العوام أحد إلا اليونانيون والأرمن والجروج والفرنج وبعض الحبش، وهذا ليس بإجماع لأن أقل مراتب الإجماع أعظم النصفين، وقد يظهر لك بالنظر في الجغرافيا أن النصارى أقل من عشر غيرهم فينتقض الإجماع.
وأما حلول الروح عليه وإظهاره الدينونة للعوام واتصافه بهذه الصفات المرضية فلا دلالة لها على كونه ابن الله وخاتم الأنبياء، لأن نزول الروح مما يختص بالأخيار وإظهار الدينونة مما يختص بالملوك، ولا شك أن روح القدس قد حلت عليه، وأنه قد أخبرنا بالدينونة العظمى التي هي محمد صلى الله عليه

الصفحة 38