كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

وآله وسلم، لكنه يدل على أن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله وهو ممنوع.
وأما إظهار الدينونة واتكال العوام عليه، فليس كما أوله النصارى، بل إنما المراد بالإظهار الإخبار، وباتكال العوام عليه، اتكالهم على ذلك الإخبار لا غير، وإلا لفسد المعنى لأن حلول الروح عليه وإظهاره الدينونة للعوام وعدم صراخه وصياحه إلى آخره مقيد بأخبار الدينونة للنصرة واتكال العوام على اسمه ووقوع المشروط عين إطلاق الشرط فما يكون بعد ذلك.
فإن قلت سيكون سلطاناً شديداً منعته لعدم وقوعه وعدم إدعاء النصارى به، وإن قلت شيطاناً عنيداً منعته لتقدس ذاته وإنكار النصارى له.
ولأني أقول إن كان عيسى بن مريم هو المخصوص بهذا النص فبعد إخراج الدينونة للنصرة واتكال العوام على اسمه لا بد أن ترفع عنه روح الله التي حلت عليه، لكن المسيح هو المقصود بهذا النص ينتج أن روح الله قد رفعت عنه، والتالي باطل فالمقدم مثله.
أما بطلان التالي فلأن روح الله لا ترتفع عن أنبيائه، وأما بطلان المقدم فلصدق استثناء نقيضه.
إذا علمت ذلك فاعلم أيدك الله بروحه القدسية أن خلاصة هذا النص أنه تعالى قد أخبر بأن عيسى عليه السلام هو نبيه الذي انتخب في ذلك الزمان ومحبوبه الذي رضي عليه في تلك الأيام، ووعد أنه سيحل عليه روحه، وسيظهر الدينونة أي القضاء للعوام أي يخبر بها ووصفه بالسكوت وعدم المكابرة ردعاً لليهود لأنهم يقولون أن المسيح ملك عظيم الشأن وقيد ذلك بإخراج الدينونة للنصرة التي هي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وفي بعض التراجم " حتى يخرج الحكم بالغلبة " عوض " يخرج الدينونة للنصرة " وهما مترادفتان لأنه هو الذي نصر دين الله وباتكال العوام على اسمه أي عليه يعني على إخباره يريد بذلك أن العوام سيتكلون على إخباره حين

الصفحة 39