كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

جميع النصارى قد اتفقوا في تفسير هذا النص بالألوهية قوله من الأعمال " فاحتاطوا على أنفسكم وعلى الرعية التي أقامكم الروح القدس عليها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بخالص دمه " مع أن الضمير يرجع إلى عيسى المذكور باللفظ وإلى الروح القدس الذي هو عبارة عن نفس المسيح، فتأمل فيه.
ومع قطع النظر عن هذا كله إذا كان ابن الله يجب على أبيه أن يذب عنه.
وفي مرقص وفي متى ثم طفق يضرب لهم الأمثال ويقول اغترس رجل كرماً وحوطه بحائط وبحث فيه معصرة وبنى برجاً وآجره للفلاحين وسافر، ولما جاء الموسم أرسل إلى الفلاحين خادماً لينال من ثمرة الكرم شيئاً فأخذوه وضربوه وردوه خائباً فأرسل إليهم خادماً ثانياً فرجموه وشجوه وردوه محقراً ثم أرسل ثالثاً فقتلوه وكثيرين آخرين ضربوا بعضهم وقتلوا بعضاً وكان قد بقي له ابن وحيد هو محبوبه فأرسله إليهم آخر الأمر وقال أنهم سيكرمون ابني فقال الفلاحون فيما بينهم أن هذا هو الوارث فهلموا بنا نقتله فيصير الميراث لنا فأخذوه وقتلوه وأخرجوه خارج الكرم فماذا يفعل رب الكرم، نعم إنه سيأتي ويهلك الفلاحين ويسلم الكرم إلى آخرين ألم تقرأوا هذا المرقوم قوله إن الحجرة التي رفض البناؤون صارت رأس الزاوية هذا هو ما وقع عند الرب وهو في نظركم عجيب انتهى.
وهذا من أعظم الدلائل الواردة في الإنجيل على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد تغافل عنه النصارى وأولوه بتأويل باطل.
وتقرير ذلك أن هذا أول الفصل وهو جملة استئنافية، فالغارس فيه هو الباري تعالى شأنه، والمغرسة الدنيا، والكرم بنو آدم، والحائط الناموس، والمعصرة الأحكام الناموسية، والبرج الأنبياء، والفلاحون الذين بلغتهم الدعوة، فأول الرسل موسى بن عمران عليه السلام، وثانيهم يوشع بن نون،

الصفحة 41