كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

وثالثهم يحيى بن زكريا، والمجهولون المتوسطون، من موسى إلى زمان عيسى عليهما السلام، والولد الوحيد عيسى عليه السلام.
وناهيك به من مثل لطيف نبه وأنبأ فيه عيسى على نفسه أيضاً والآخرون الذين يسلم إليهم الكرم هم العرب.
فإن قلت لم كنى في الأول بالأنبياء وههنا بالأمة، قلت تبجيلاً له - صلى الله عليه وسلم - وإكراماً لأمته إذ هم أفضل الأمم وتصديقاً لقوله سبحانه: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) الآية وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " على كلام فيه، وفيه من عظمة شأنه وسمو مكانه ما لا يخفى بل ما يفوق على شأن جميع الأنبياء فتأمّله.
ثم انظر إلى حسن أداء المثل فكأنه عليه السلام قد سئل عن ذلك فقال إنه من أولاد إسماعيل، فأجيب بأنه هل يبعث من أولاد الفتاة نبي، فقال عليه السلام ألم تقرأوا ما قال أشعياء في قوله إن الحجرة التي رفض الخ فإن كذبتموني فما تفعلون بقول نبيكم أشعياء " فهذا الذي أنتم تستحقرونه يكون في الدرجة العليا لأنه هو قضاء الرب وهو الوفاء لعهده الذي عاهد به إبراهيم عليه السلام في بابت إسماعيل حيث قال في التكوين قوله: " وأما إسماعيل فإني قد سمعت دعاءك له وها أنذا قد باركت فيه وجعلته مثمراً وسأكثره تكثيراً وسيلد اثني عشر ملكاً وسأصيرهم أمة عظيمة ".
وأما ما ذهب إليه اليهود والنصارى من أن المراد بالملوك الإثني عشر أولاد إسماعيل الإثنا عشر فهو باطل لأنهم لم يتملكوا، ولم يدعوا الملكية، والحق أنه في شأن الأئمة الإثني عشر من قريش كما ورد في ذلك الحديث وعهده الذي عاهد به هاجر في كتاب الخليقة حيث قال فقال لها أي هاجر ملك الرب إنك حاملة وستلدين إبناً تسميه إسماعيل لأن الله قد سمع اضطرابك وسيكون بدوياًْ وتكون يده معارضة لجميع الناس ويد جميع الناس معارضة له.

الصفحة 42