كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

وفي رومية وأشعياء قوله: إني قد وجدت عند من لم يطلبني وظهرت عند من لم يسأل عني انتهى.
أول النصارى هذا النص الصريح في حق اليونانيين الذين اتبعوا عيسى عليه السلام في زمان الفترة وقالوا إنهم لم يطلبوا معرفة الله تعالى قبل المسيح فيختص النص بهم وسياقه في رومية يظهر لك مما قبله ولا دلالة له عليهم لأنه لا يصدق إلا على مفهوم ما قبله، ومع تسليمه كيف يجوز العقل أن اليونانيين لم يطلبوا معرفة الواجب تعالى مع أنهم هم أول من دون الإلهيات وبحث في وحدة الواجب تعالى.
إذا تحقق ذلك فاعلم أن هذا النص يخص العرب فقط ولا يدخل فيه ولا فيما قبله من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أحد لأنهم هم الأميون البله الذين لم يكونوا يفهمون ما الواجب بل ولا الممكن قبل بعثته عليه السلام، وأما قول لبيدة:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
فلمداخلة اليهود والنصارى أو بالنظر إلى الناموس الطبيعي لأن جميع الأمم الذين لم تبلغ إليهم دعوة الأنبياء لا بد لهم من ناموس يتمسكون به.
ومن المعلوم أن الأبكم مع عدم إطلاعه على شيء من هذه الأشياء إذا اشتبه أو اضطر ينظر إلى السماء وكذلك البهائم الوحشية إذا أصابها الجدب، وساقه في أشعياء قوله: إني قد أصبت عند من لم يسأل عني ووجدت عند من لم يطلبني وقلت لأمة لم تدع باسمي أنظري إلي أنظري إلي لأني قد أظهرت يدي طوال النهار إلى فئة طاغية سالكة في سبيل سيئ ممتثله لأهوائها وفئة أي فئة تغيظني أمام وجهي وتقرب قرابينها في البساتين وتبخر في مباخر الشياطين التي

الصفحة 48