كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

به، فقال الصوت اصرخ فقال بماذا أصرخ فإن جميع الأجسام كلأ وكل مجدها كزهر الحقل فالكلأ يذبل والزهر يسقط لأن روح الرب يرف عليه، ولا شك أن الملأ كلأ فيجف الكلأ ويسقط الزهر وكلمة الله تمكث إلى الأبد.
فمن قوله: " سلوا إلى من العذاب " ظاهر الدلالة على أن الواجب تعالى يقول لنبيه أن يسلى ويخبر أمته بما هو مزمع الوقوع وباستقامة دعائم أورشليم في آخر الزمان، وفي قوله ضعفان من العذاب إشارة إلى أنها كانت قد أخطأت فانتقم الله منها بما حدث عليها من الذل بعد المسيح عليه السلام في أيام تسلط الروم والنصارى عليها إلى زمان محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعد محمد - صلى الله عليه وسلم - أيام تسلط العرب عليها وهي أيامنا هذه إلى زمان ظهور القائم إن شاء الله تعالى، وبعد ذلك تستقيم دعائمها وتعمر رسومها.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن المهدي سينطلق إلى أورشليم ويصلي فيها ويجتمع هناك بالمسيح عليه السلام عند نزوله، ومن قوله: " هذا صوت صارخ إلى قوله نطق به " إشارة إلى يحيى بن زكريا عليه السلام لما كان يعظ بهذه الجملة على شاطيء شط الأردن وقوله: " وطئوا له في البادية سبيلاً مرتفعاً لا يدل على غير السبيل المستقيم من مكة إلى أورشليم البتة لأن أورشليم ليست في البادية وقوله فإن كل واد يريد به الجهال كأهل السواحل والارتفاع عبارة عن الصعود على ذروة طود الإيمان، وكل جبل وأكمة يشير به إلى الجبابرة من الفرس والروم، والاتضاع الانقياد إلى أوامر الدين الحنيف وسيعتدل المعوج إشارة إلى اليونانيين وحكماء الهند بقبول الشريعة الغراء لانحراف طبائعهم عن - رضي الله عنه - الانعطاف إلى اتباع النواميس الإلهية.
وقوله تلين الصعاب، كناية عن العرب لأنهم هم أقوى الناس جناناً، وأبعدهم إيماناً، وإلى ذلك إشار بقوله: (ولو نزلناه على بعض الأعجمين) الخ وقوله: " وسيشاهد مجد الله " أي المهدي والسين للاستقبال البعيد، والمعنى أنه إذا كملت جميع هذه الأمور، وبعث محمد - صلى الله عليه وسلم - يظهر المهدي.

الصفحة 50